المشهد السياسي

خسر الأمين العام وكسب الحزب..!

صراع المصالح والمطامح في حزب الأمة القومي قضية وقصة طويلة مما جعلني أفرد له في عام 2005 كتاباً تحت ذلك العنوان غطى ثمانية عشر عاماً من ذلك النوع من الحراك أي منذ المؤتمر الأول للحزب بعد الانتفاضة في 6 رجب – أبريل 1985 وإلى رحيل السيد “مبارك الفاضل” من الحزب في 2003.
والأسبوع الماضي كانت الهيئة المركزية لحزب الأمة القومي قد أقالت بالإجماع الدكتور “إبراهيم الأمين” الأمين العام للحزب بعد مغامرات ومخاطرات وحسابات غير دقيقة قام بها الرجل وهو (يفرز) عيشته ويعقد مؤتمراً صحفياً في فندق (هوليداي فيلا) بعيداً عن دار الحزب حيث (سرح ومرح) كما يقولون مما أثار غضب السيد زعيم الحزب وإمام الأنصار وبقية الأعضاء والأتباع.. وكيفما كان النظر إلى الجدل والخلافات حول المراجع والنظم المؤسسية الحزبية.
الدكتور الصديق الطبيب “إبراهيم الأمين” وهو سياسي وكاتب صحفي وباحث في الشأن العام وكما قال: إنه (ولد في حزب الأمة وسيموت فيه.. بعد خرف..!) وقد فعل ما فعل لم (يحسبها صاح) ولم يستفد من الحقائق والوقائع التي سبقه بها آخرون وهم كثر في حزب الأمة وفي الأحزاب الأخرى أيضاً.. ومنهم أسماء ورموز لها تاريخها وميراثها الأسري في الحزب وإمكاناتها.. إلا أنها مع ذلك ورغم أنها كان لها أثرها السالب على الحزب لم تحقق منافع ومكاسب سياسية واجتماعية تذكر.
فالبعض الآن يحاور ويناور ويرسل الرسائل والإشارات لتلافي آثار ما حدث من خلافات واختلافات أدت من قبل إلى الجفاء والخصومة بل باعدت بين فرص التلاقي والتفاهم وعودة اللحمة بين الطرفين كما حدث بين السيد الإمام وابن عمه السيد “مبارك الفاضل” وابن عمه الدكتور “الصادق الهادي المهدي”.
لقد أتاح الدكتور “إبراهيم الأمين” للحزب ومؤسسته بما فجر من خصومة مع زملائه ومع السيد “الصادق المهدي” زعيم الحزب وأسرته فرصة غالية وظلت مرغوبة ومطلوبة في الحزب وغيره منذ زمن بعيد.
فالسيدة الراحلة، المرأة الحديدية وصقر الجديان “سارة الفاضل” التي رحلت في 7 فبراير 2008 وظلت منذ مؤتمر الحزب الأول بعد الانتفاضة (1986) تقول وتكرر: إن المرأة في الحزب ومؤسساته غائبة ولا حضور لها – وهذه حقيقة.. إلا أن الراحلة – رحمها الله – إذا ما أطلت برأسها من قبرها في قبة الإمام المهدي حيث ووريت الثرى لرأت اليوم أن مطلبها الذي مر عليه قرابة الثلاثين عاماً قد تحقق بدرجة أكبر بوصول الدكتورة “سارة نقد الله” إلى موقع الأمين العام لحزب الأمة القومي وبالإجماع من أعضاء الهيئة المركزية للحزب بعد أن أطيح بالأمين العام السابق الدكتور “إبراهيم الأمين” بالإجماع أيضاً..!
وهذا نصر للمرأة في كل الأحزاب السودانية تقريباً.. ورغم ما تحقق لها في عهد الإنقاذ الوطني حيث أصبحت وزيرة وسفيرة وعضو مجلس تشريعي ومكتب سياسي ومنصب قضائي وغير ذلك مما لم يحدث في أي بلد عربي أو أفريقي آخر – تقريباً وذلك بحجم ووزن كبيرين.
وبما أن حزب الأمة القومي السوداني مرجعيته طائفية فإن وصول سيدة إلى مثل ذلك الموقع الرفيع والمؤثر في المؤسسة الحزبية يُعد تطوراً غير مسبوق في الحزب ولا في أمثاله بالضرورة ولكن (الضرورات تبيح المحظورات..!). فقد كان الحزب بعد حراك الدكتور “إبراهيم الأمين” ــ الأمين العام السابق – الأخيرة في حاجة إلى أن (تلملم) فيه أطراف الخلاف بين من كان يتوقع تسميتهم للموقع من الأسرة ومن خارجها – ومن الشباب والقدامى ــ بشخص مثل الدكتورة “سارة نقد الله”.. فهي امرأة ومن خارج الأسرة إلا أنها محل قبول من الداخل والخارج معاً.. وملتزمة إلى حد كبير بالمؤسسية وبسياسات الحزب وأطروحاته فضلاً عن العمل من داخل مؤسساته.
وما يؤكد على هذا كله ودليله هو أن انتخاب الدكتورة “سارة نقد الله” وتسميتها لموقع الأمين العام قد جاء من أعضاء الهيئة العامة بالإجماع. وهذا بتفاصيله وتفريعاته المذكورة يعد نصراً وكسباً للحزب خلافاً لما سعى له الدكتور “إبراهيم الأمين” ومن ناصروه ورافقوه على ذات الطريق..!
وسيكون لما حدث الأسبوع الماضي في دار حزب الأمة القومي وبتلك الطريقة آثاره وردود أفعاله لدى آخرين غير مجموعة الدكتور “إبراهيم الأمين” الذي كان منذ بدء الخصام على خلاف مع الحزب ومؤسساته ورموزه في نهج المصالحة مع حزب المؤتمر الوطني وأطروحة الحوار الوطني.
وبمعنى آخر فإن مجموعة المعارضة تحت مسمى (قوى الإجماع الوطني) ومن سار على دربها لن تسعدهم تلك النتيجة التي لم يشاركوا في حضور الدعوة إليها أسوة بأحزاب أخرى كانت حاضرة وأشهرها المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وآخرون.. فهي تعني أن حزب الأمة القومي قد انسلخ بالكامل من تجمع (قوى الإجماع) الذي يتوقع رحيله مع رحيل الأمين العام السابق – الدكتور “إبراهيم الأمين”.
ونزيد على ذلك القول بأن قوى الإجماع المعارضة لم تسلم في اجتماع الهيئة المركزية لحزب الأمة القومي من لسان السيد زعيم الحزب الذي وصفها بأنها (مهلهلة) ومتهالكة وتحتاج إلى أن تعيد هيكلة نفسها.. وهو نهج درج عليه السيد الإمام “الصادق المهدي” في مثل تلك الأحوال.
والنتيجة هي أنه كما خسر الدكتور “إبراهيم الأمين” بفقدانه الموقع والسند داخل الحزب، فقدت قوى الإجماع المعارضة رمزاً كبيراً كحزب الأمة بشكل كبير وقاطع إلى حد كبير.. ذلك أن الأمين العام السابق كان يرمي السيد زعيم الحزب ورموزه التقليدية الكبيرة بأنها تقع تحت سيطرة ورغبة المؤتمر الوطني.. وقد كان ذلك تقريباً أحد المحركات الأساسية لتسوية الخلاف بين “إبراهيم الأمين” والآخرين.
على كلٍ، وكيفما كانت الحسابات وقراءة نتائج ما خلصت إليه مركزية حزب الأمة القومي الطارئة الأسبوع الماضي، فإن الدكتور “إبراهيم الأمين” كان هو الخاسر وحزب الأمة القومي وزعيمه كانا هما الكاسبين ومؤشر ذلك
– الإجماع على إقالة الأمين العام السابق.
– الإجماع على تسمية سيدة لأول مرة أميناً عاماً للحزب.
وقد أعطى هذا الأخير الحزب (التقليدي) بعداً يدعم بُعد زعيمه الخارجي ويشي بأن الأمور إلى (تغيير) شأن آخرين.. وعليه ربما كان للمؤتمر العام القادم للحزب تطوراته وانعكاساته.. وربما نُسي الدكتور “إبراهيم الأمين” جزئياً وسياسياً بعد نتيجة هذه التجربة الأخيرة..!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية