رأي

حديث لابد منه (24)

وقفنا في حديثنا السابق أن الحشود كانت ضخمة وكثيفة داخل (إستاد عطبرة) العريق، ثم كانت تحية السيد المشير “جعفر نميري” رئيس الجمهورية على عربة مكشوفة، وكنت بصحبته والهتافات تتعالى مرحبة به، ثم هتف العمال بذلك تحية لرئيس النقابة “عباس الخضر” بقولهم: (قائد قائد يا عباس.. أمين أمين يا عباس).. لم يعجب هذا الهتاف السيد الرئيس “نميري”، وأراد فك يده من يدي فزدت في قبضتها وكنت وقتها شاباً قوياً ابن ثلاثين عاماً وهو العمر الأشد، وقد أعطى الله “النميري” بسطة في الجسم وخشيت أن يقذفني بكتفه خارج السيارة – رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته – ثم وصلنا إلى (المقصورة) حيث جلسنا معاً متجاورين، وأخذت أكد له سعادتنا بزيارته لمدينة الصمود، وأن العمال بل عطبرة قاطبة سعيدة بهذه الزيارة، وذلك من باب التخفيف عليه وإشعاره أنه هو الرئيس ولا رئيس غيره، وجاءت الوفود في شكل مواكب تمر أمامه، فكان الشباب والطلاب ورجالات الطرق الصوفية براياتهم ونوباتهم التي تدوي صوتاً قوياً، ثم موكب النساء الذي فرضته الدكتورة “فاطمة عبد المحمود” وكانت تقوده بنفسها، وقد كانت الغالبية العظمى منهن من الموظفات والعاملات بالسكة الحديد.
وبحمد الله تعالى كنّ يرتدين الثياب البيضاء وكانت الحشمة صفة لم تفارقهن، وأرادت الدكتورة “فاطمة” أن ترد بياناً بالعمل أن المرأة ملتزمة رغم تحفظي على الاتحاد النسائي. ثم بدأ المهرجان وكانت كلمة النقابة التي ألقيتها والتي كانت مكتوبة بناء على الاتفاق الذي تم بيننا والأخ مشرف المديرية الأستاذ “بدر الدين سليمان” – أطال الله عمره في طاعة الله عز وجلّ – وكما ذكرت من قبل أنني بحمد الله تعالى محتفظ بهذه الكلمة والتي بدأتها قائلاً:
(بسم الله الرحمن الرحيم
رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وأجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا.. وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.. الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبدينه القويم يسعد الفرد والجماعات، والصلاة والسلام على سيد السادات سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” ورضي الله عن آله وصحبه أجمعين..
أما بعد الأخ الرئيس القائد “جعفر محمد نميري”، والأخ النائب الأول لرئيس الجمهورية، وأمين الاتحاد الاشتراكي الأخ “أبو القاسم محمد إبراهيم” والأخ “مصطفى عثمان حسن” وزير النقل والإخوة الوزراء والمشرف السياسي لمديرية النيل “بدر الدين سليمان”، والأخ “مختار الطيب” أمين الاتحاد الاشتراكي ومحافظ مديرية النيل، والأخ “عبد الله نصر قناوي” رئيس اتحاد نقابات عمال السودان، والإخوة قادة العمل الوطني والإخوة الضيوف، والإخوة عمال السكة الحديد الأوفياء الشرفاء حملة الراية البيضاء وعماد البلاد، والإخوة مواطنو عطبرة الأعزاء شيباً وشباباً ونساءً وأطفالاً.. أحييكم جميعاً تحية الإسلام الخالدة تحية من عند الله مباركة طيبة، إذ نلتقي بكم في هذه الأمسية الكريمة في قلعة الجهاد الوطني من أجل العزة والكرامة في أرض عطبرة عاصمة الحديد والنار التي عرفها تاريخ سوداننا الحبيب وسجل دورها الطليعي في أنصع صفحاته، كيف لا وهي مدينة العمال درع البلاد وحملة الوطنية وشعلة التقدم والازدهار.
إخوتي الأحباب.. نحن اليوم في فرح وسرور عظيمين في مهرجاننا العظيم الفريد من نوعه، حيث يشرفنا الرئيس القائد الذي رفع رأس سوداننا الحبيب، وأن جولته الأخيرة كانت بحق وحقيقة جولة تاريخية أدخلت الأمة السودانية في طور جديد وعهد فريد، وأن تكريمه يعتبر تكريماً للشعب السوداني بأثره، كيف لا وقد اختير رئيساً لـ(منظمة الوحدة الأفريقية)، وأن القضايا التي طرحها هي مفخرة للسودان على مدى الدهور والأيام.
إخوتي الأعزاء.. كم نحن سعداء باللقاء معه وصحبه الأبرار في يومنا هذا.. هذا المهرجان الذي يعتبر فرحة بتكوين نقابتنا العملاقة الجديدة التي تعتبر أم النقابات وأم الوطنية ومدرسة الوحدة ورمز الوفاء والفضيلة.. هذه النقابة الجديدة التي تعتبر في مولدها الحقيقي الشرعي وفي ثوبها النقي الأبيض امتداداً للشرارة الأولى في عام 1947م، هذه الدورة التي تشهدونها لم تأتِ عبطاً وإنما جاءت بعد معاناة وجهاد مضنٍ من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل وإبراز الفضيلة على الرذيلة والأمانة على الخيانة والصدق على الكذب، وضعت أمامها العراقيل والعقبات، لكنها انتصرت بعون الله لأنها ثورة على الطغيان والغرور والفساد والإفساد، وإن الله يمهل ولا يهمل، ولينصرن الله من ينصره وإن الله لقوي عزيز).
نقف هنا ثم نواصل في العمود القادم إن شاء الله.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية