اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الانتهاكات تعيد جدل التقييد!
ظل الصحفيون في مناطق النزاع وبعض دول الربيع العربي التي شهدت صراعات عقب موجة التغيير، يواجهون أوضاعاً صعبة على مدار السنوات الماضية أودت بحياة كثير منهم، فيما تأثر البعض الآخر بجراح أقعدتهم عن العمل الصحفي، العام 2014 يبدو أنه لم يكن أحسن حالاً من الأعوام الماضية.
وبهذه المناسبة يحيي العالم اليوم (السبت) اليوم العالمي لحرية الصحافة لعام 2014، تحت شعار (حرية الإعلام من أجل مستقبل أفضل: تشكيل جدول أعمال التنمية في مرحلة ما بعد عام 2015). وسيركز اليوم العالمي لحرية الصحافة في عام 2014 على ثلاث قضايا مترابطة هي: أهمية وسائل الإعلام في التنمية، سلامة الصحافيين وسيادة القانون واستدامة ونزاهة الصحافة.
كما ستقام مراسم حفل جائزة اليونسكو (غييرمو كانو) العالمية لحرية الصحافة السنوية في (3) مايو 2014 في مقر اليونسكو، والتي فاز بها صحفي التحقيقات التركي “أحمد شيخ”.
*حرية التعبير حق أساسي
وأشار “بان كي مون” الأمين العام للأمم المتحدة و”إرينا بوكوفا” في رسالة مشتركة بهذه المناسبة، إلى أن هذه السنة سنحت فرصة للمجتمع الدولي لتحقيق التنمية المستدامة من أجل النجاح في بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية التي ينتهي الأجل المحدد لها في عام 2015.
وأكد “مون” و”بوكوفا” على إدانة الجمعية العامة للأمم المتحدة إدانة صريحة جميع الاعتداءات وأعمال العنف التي تستهدف الصحفيين والعاملين بوسائل الإعلام، وطالبا الحكومات وجميع أصحاب النفوذ السعي الآن إلى إعمال هذه الإدانة من خلال حماية الصحفيين وغيرهم من العاملين في وسائل الإعلام.
وأضافا:(وإننا نناشد في هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة جميع الدول والمجتمعات والأفراد، الدفاع بفعالية عن حرية التعبير وحرية الصحافة بوصفهما حقين من الحقوق الأساسية، ومساهمتين جليلتين في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وفي وضع خطة التنمية لما بعد عام 2015).
وتشير تقارير (مراسلون بلا حدود) حول حرية الصحافة لعام 2014، إلى تدهور كبير في بلدان مختلفة مثل الولايات المتحدة وجمهورية أفريقيا الوسطى وجواتيمالا، في حين حققت الإكوادور وبوليفيا وجنوب أفريقيا تقدماً ملحوظاً.
ويسلط ترتيب 2014 الضوء على الترابط السلبي بين حرية الإعلام والصراعات المسلحة، معلنة كانت أو غير معلنة.
*(مراسلون): الصحافة الإقصائية تواجه صعوبات في أمريكا
أشار تقرير (مراسلون بلا حدود) لعام 2014 ،إلى أنه لا يمكن اعتبار دول ( سيادة القانون) مثالاً يقتدي به في هذا الباب، ففي كثير من الأحيان تضحي السلطات بحرية الإعلام لتبقي الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام كل تأويل فضفاض لمفهوم الأمن القومي، مما يمهد الطريق نحو تراجع مثير للقلق فيما يتعلق بالممارسات الديمقراطية، حيث تواجه الصحافة الاستقصائية صعوبات جمة في بعض الأحيان كما هو الحال في الولايات المتحدة والتي تحتل المركز (46)، والتي فقدت (13) مرتبة في التصنيف العالمي، مسجلة بذلك أحد أكبر التراجعات وأكثرها إثارة للانتباه في سياق يتميز بملاحقة شرسة لمصادر المعلومات ومتابعة أشرس لكاشفي الفساد.
وبدورها تراجعت المملكة المتحدة (3) مراكز عن العام الماضي لتحتل المركز (33)، حيث رفعت المملكة المتحدة شعار مكافحة الإرهاب لممارسة ضغوط سافرة على صحيفة الغارديان، ناهيك عن الاعتقال الذي دام تسع ساعات في حق “دفيد ميراندا”.
فيما أعلنت حملة الشارة الدولية لحماية الصحفي في تقريرها ربع السنوي، أن (27) صحفياً وصحفية قتلوا في (13) دولة خلال الأشهر الثلاثة الأوائل من هذا العام أثناء أداء عملهم، معربه عن قلقها من زيادة عدد الذين قتلوا خلال تغطية المظاهرات
وبحسب التقرير أن العراق عادت إلى الصدارة في خطورة العمل الصحفي بمقتل (5) صحفيين، ثم باكستان (4) صحفيين، ونفس الرقم في البرازيل، و(3) في أفغانستان، واثنان في سوريا، واثنان في المكسيك، مشيراً إلى أن صحفياً واحداً قتل في كل من (أوكرانيا، كمبوديا كولومبيا، مصر، لبنان، الكونغو الديمقراطية والسعودية).
وأشار التقرير إلى قتل (4) صحفيين منذ بداية العام الحالي خلال تغطيتهم المظاهرات في (البرازيل، ومصر، وباكستان، وأوكرانيا)، كما جرح عدد كبير منهم ولم يتمكنوا من إكمال عملهم خلال مظاهرات صاخبة في أوكرانيا والبرازيل وتركيا ومصر وفنزويلا.
ويذكر أن مجلس حقوق الإنسان قد أقر قراراً يوم (28) مارس 2014 في دورته الـ(25) لتدعيم وحماية حقوق الإنسان في ظل التظاهرات السلمية، والذي ينص على مطالبة الدول بالعناية بصفة خاصة بسلامة الصحفيين والعاملين في الإعلام خلال تغطيتهم للمظاهرات السلمية، آخذين في الاعتبار دورهم المحدد وتعرضهم للخطر وكونهم عزلاً، مطالبة الدول بالتحقيق في أي حوادث وفاة أو إصابات ملموسة ترتكب خلال المظاهرات، التي يتسبب فيها انتشار الأسلحة أو استخدام الأسلحة غير القاتلة، من قبل المسؤولين الذين يعملون على تنفيذ واجبات القانون.
ومن ناحيته أكد “ليمبان” أن هذه الفترات المطولة من الاعتقال فضيحة وترقى بالنسبة لأسر الصحفيين المعتقلين إلى مرتبة التعذيب، مؤكداً ضرورة تقديم الجناة إلى المحاكمة.
(3) مايو وحرية الصحافة
يصادف اليوم الثالث من مايو اليوم العالمي للحرية الصحفية، ويذكر أن هذه المناسبة أقرت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في (3) مايو عام 1993 للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة يوم (3) مايو من كل عام، على إثر توصية موجهة إليها اعتمدها المؤتمر العام لليونسكو سنة 1991، وبهدف الاحتفال بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييم حرية الصحافة في العالم، وحماية وسائل الإعلام من التعدي على استقلالها، وتكريم الصحافيين الذين فقدوا حياتهم في ممارسة مهنتهم.
} الصحفيون السودانيون يطالبون بصدور قانون
بالنسبة للسودان يعتقد كثير من المختصين أن أوضاع الصحافة والصحفيين مرت بمراحل انتقصت من دورها وحريتها، أرجع بعضهم السبب إلى الأوضاع السياسية المعقدة المرتبطة بعملية التحول الديمقراطي. واتفق مع هذه الرؤية رئيس تحرير صحيفة (الأيام) الأستاذ “محجوب محمد صالح”، حيث قال لـ(المجهر) عبر الهاتف: قضية الصحافة وحريتها مرتبطة ارتباطاً كبيراً بعملية التحول الديمقراطي، فإذا كانت معطوبة ستكون الحرية منقوصة. وأكد “محجوب” أن عملية الحوار التي طرحتها الحكومة على القوى السياسية والعسكرية أحدثت إنفراجاً مؤقتاً بالنسبة لحرية الصحافة، لكنه غير مقنن بمعنى والحديث لـ”محجوب” أن وقف مصادرة الصحف حدث بقرار وليس قانوناً، ما يشير إلى أن السلطة مازالت تحتفظ بحق الرجوع في القرار في أية لحظة. وطالب رئيس تحرير صحيفة (الأيام) بإصدار قانون يؤكد الحرية الصحفية، مشيراً إلى أن ذلك موجود في المادة (39) في الدستور المؤقت، مبيناً أن الممارسات التي كانت تتم مخالفة للحقوق ووثيقة الدستور والمادة (27) نوهت إلى أن الحقوق الموجودة في الوثيقة لا يجوز مصادرتها.
وفي إطار تذكيره الناس بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة قال محجوب: عندما اجتمع الصحفيون الأفارقة في عاصمة نامبيا أصدروا إعلاناً طالبوا فيه أفريقيا بصحافة حرة ومتنوعة ومستقرة ومستدامة، وفق قوانين تكفل ذلك ورفع الأمر إلى الجمعية العامة لليونسكو ومن ثم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. ونحن الآن بهذه المناسبة نطالب الحكومة بإصلاح القانون كمدخل لقيام صحافة مهنية وحرة ومستقلة.
أما الدكتور “إبراهيم دقش” فقد دلف إلى زاوية أخرى عندما سألناه عن تقييمه لوضع الصحافة والصحفيين في السودان، أشار فيها إلى النقلة التي حدثت على مستوى وعي الصحفيين تدل على أن الصحافة تمضي في الاتجاه الصحيح. ووفقاً لحديثه أن الصحفيين أصبحوا مدركين لدورهم ورسالتهم، مضيفاً عدم إمكانية الحديث عن حرية سائبة لابد من التقييد بالمسؤولية الاجتماعية والالتزام الأخلاقي. وأعتقد أن الأيام القادمة سيحدث انفراج والالتزام بما هو مطلوب، وهذا بحسب “دقش” سيشكل انتصاراً لابد من المحافظة عليه.
} هل الحرية مطلقة أم مقيدة ؟
دكتور “أمين حسن عمر” أجاب عن هذا السؤال في مقال مطول في مدونته، قال إن جدل الحرية في بلادنا جدل كثيف ومتطاول ولكنه فيه كثير من الرياء والمراء والمغالطات اللفظية والمنطقية والتناقضات بين قول وفعل وبين فعل وفعل. معنى الحرية: لا يزال الفلاسفة والمتفلسفون والمثقفون وأنصافهم يديرون حديثاً غير منتهي حول معنى الحرية وفلسفتها، بل زعم البعض أن مفردة الحرية عصية على التحليل فهي زئبقية القوام ما وضعتها في شيء إلا واتخذت شكلاً مغايراً. ولكننا نؤمن بأن للحرية مفهوماً قابلاً للاستيعاب. بيد أنه يستعصى تصوره في غير ما بيئة أو إطار من الوقت والمحل والفكرة. والسجال يدور منذ قديم حول هل الحرية مطلقة أم مقيدة ؟ فإذا كانت مطلقة فمطلقة بإزاء ماذا ومن ؟ أو ليس الإنسان محدوداً مقيداً بقيود من الطبيعة والبيئة ومحكوماً بحدوده الذاتية؟ فلئن كان ذلك كذلك فهل يريد البعض إطلاق حرية الإنسان بإزاء المجتمع؟ وهل يمكن في تلكم الحالة أن تكون هناك أية قاعدة موضوعية للاجتماع البشري؟
العقلاء جميعاً قد خلصوا إلى أن أفضل تعريف للحرية وهو تعديد وتحديد ما يقيدها !!
فمثلاًَ في الدلالة العربية لمفردة الحرية فـ”ابن الأعرابي” يُعرف الحرية بالعبودية، في اللغة الإنجليزية والفرنسية في القواميس الأحدث، فإن الحرية هي القدرة على القيام بالفعل دون إكراه. بيد أن هذا التعريف يعيبه الخلو من سائر الإكراهات الفكرية والنفسية والاجتماعية والبيئية والطبيعية.
القرآن يعبر عن الحرية بمصطلح المشيئة وتعني أن يفعل الإنسان ويعتقد ويتخيل ما يشاء. فالمشيئة معنى أقوى في نفي الأكراه. لأن الإنسان العاقل لا يرى إكراهاَ في قيود العقيدة والأخلاق والطبيعة والبيئة، وما توافق عليه المجتمع من أعراف طوعية. وهذا المعنى فطن إليه أهل الحكمة اليونانية لأنهم نظروا للحرية في إطار التوافق الاجتماعي على العيش المشترك. فمن كان هو أو هي بعض من التوافق المدني فهو حر، وإلا فليس للعبيد ولا الأجانب حرية في بلاد الإغريق. ولا تزال بقية من هذا المعنى للحرية وللديمقراطية راسبة في مفاهيم المجتمعات الغربية.
} “شمو” اعتبارات كثيرة تقيد الحرية
وبدوره رأى الخبير الإعلامي بروفيسور “علي شمو” في حوار سابق مع (المجهر) في سياق حديثه عن الحرية، أن في السودان قدراً معيناً من الحرية، لكنها ليست هي الحرية الموجودة في أوروبا وأمريكا! هنا توجد حرية تجنح دائماً نحو مبدأ الحرية المسؤولة، الشخص يعبر لكن هناك اعتبارات كثيرة جداً تقيد حرية التعبير، قد تكون أخلاقية أو دينية أو سياسية أو ثقافية، أضف إلى ذلك تركيبة المجتمع ومشاكله، كل هذه مكونات تؤثر على درجة الحرية في السودان. والحرية الموجودة يتدخل فيها أناس، ليس لأن الصحفي قاصر، لكن لأنه يجهل أن ما ينشره من معلومات يمكن أن تسبب ضرراً.
قد يختلف خبراء آخرون مع هذه الرؤية أو يتفقون لكن بصورة عامة، ظلت مشكلة الحرية الصحفية في السودان تواجه بانتقادات شديدة على ضوء ما يتم من مصادرة للصحف وتوقيف بعض الصحفيين، خاصة أن هذه الممارسات تعتبر متجاوزة لحدود الدستور، وبالمقابل عجزت المؤسسات اللصيقة مثل (المجلس القومي للصحافة والمطبوعات) و(اتحاد الصحفيين) عن الدفاع أو انتزاع تلك الحقوق، حيث درج اتحاد الصحفيين على الاحتفال بهذا اليوم العالمي لحرية الصحافة من باب المسؤولية الرسمية، ويناقش هذا الموضوع باستحياء. لكن دعونا ننتظر نهايات الحوار الجاري الذي أطلق الحريات بقرار وتبقى استكمال هذه الخطوة بصدور قانون يقنن خطوة إطلاقها، إلى ذلك الحين كل عام والصحافة وأهلها بخير.