رأي

الخريف جاءكم

الخريف على الأبواب والناس في حالة ترقب وخوف، لأن الخريف العام الماضي تركهم في هلع بسبب آلاف المنازل التي هدمت أو جرفتها السيول، بما فيها عمارات من عدة طوابق أحالتها إلى ركام.
إذا كان الخريف في الماضي موسم خير وبركة وفيه تخضر الأرض، فإنه في السنوات الأخيرة أضحى موسم (باعوض) و(حشرات) وأوبئة، لأن السلطات تظن أنه ليس من مسؤوليتها تصريف المياه.
سنوات طويلة تجد أحد المجاري وقد ألقى الأهالي قمامتهم فيه تماماً وأغلقوه، وعندما تأتي الأمطار لا تجد مصرفاً يحملها إلى خارج الحي فتتوقف وتصبح مياهاً راكدة، وأتوقف هنا لأسألكم هل في كل أحياء الخرطوم هناك مجرى يحمل مياه الأمطار إلى النيل حتى في الأحياء التي تقع على النيل مباشرة؟ لقد أزاح السكن العشوائي أية مساحة لأي (خيران) حتى (الخيران) القديمة التي استمرت لعشرات السنين ومنذ زمن الانجليز تم ردمها (بالقمامة)، واكتفى الناس بالبكاء لأن السلطات تركتهم دون تصريف وهم السبب في ذلك، لماذا ننتظر الحكومة في كل شيء؟ إن كبار المسؤولين يعيشون في أحياء بها جميع أنواع المصارف ولا يحتاجون لمجارٍ جديدة. لا أعرف من هو هذا العبقري الذي لم يجد مساحة لأحد المباني إلا فوق مجرى (خور) (العشش) التي أصبحت (الإنقاذ)، لقد كان هذا المجرى في الخريف يستوعب ملايين الأمتار المكعبة من المياه التي تتجه فوراً من (الامتداد) إلى النيل ولا يعوقها شيء، فجاء أحد العباقرة ورأى أنه يمكن الاستغناء عن هذا (الخور) ولم يجد مساحة لهذا المبنى إلا فوق هذا (الخور) فأغلقه تماماً، وذهب إلى منزله سعيداً أن هذا (الخور) لا يؤثر عليه شخصياً، وهناك عشرات (الخيران) التي تماثل هذا (الخور) أغلقت تماماً إما بالمباني وإما بالقمامة ولا أحد يفكر في فتحها، لقد كنا في الماضي لا نهتم بما ستقوم به السلطات ونأخذ (الطواري) و(المعاول) قبل الخريف ونفتح كل المجاري ونتركها تصب في (خور) كبير ويأخذها هذا (الخور) إلى النيل مباشرة، الآن لا يوجد (خور) يتصل بمجرى النيل وأصبحت المياه تتوقف في (خيران) الأحياء وتظل شهوراً إلى أن يخضر لونها وتصبح مأوى لـ(الضفادع).
حيوا معي شباب شارع (تسعة الحاج يوسف) لقد أيقنوا تماماً أنهم لو انتظروا السلطات معنى هذا أن تتهدم منازلهم وتمتلئ شوارعهم بالمياه وتصعب عليهم الحركة، لهذا قام شباب (شارع تسعة) بحفر مجرى يمر في شارع الأسفلت تماماً فأنقذوا بذلك الحي من غرق مؤكد، ولكنهم للأسف لم يواصلوا مد هذا (الخور) فوق شوارع الإسفلت الأخرى ويوصلوه إلى المجرى الكبير الذي يتصل بالنيل، لكنهم على كل حال أنقذوا الحي من غرق مؤكد، فالتحية لهم لأنهم لم ينتظروا السلطات وتحركوا وهذا هو المطلوب.
إن التحرك دائماً يكون قبل أن تهطل الأمطار لا بعدها، ولا أعرف ماذا ننتظر والمحتمل أن يفاجئنا الخريف بأمطار تستمر ليومين كاملين كما حدث في العام الماضي، وعندها يبدأ الصراخ والعويل، وأتساءل عن أين السلطات ونحن نعلم أنه ليست هناك سلطات، فكبار موظفي المحليات مشغولون بالجبايات والأموال التي يأخذونها من (المساكين) ولا وقت لديهم لمثل هذه الأشياء، وأصبح للواحد منهم عدة عقارات دون أن يسألهم أحد من أين أتى بها وهو صاحب المرتب الضئيل. وإذا انكسرت (ماسورة) تظل لشهور تفرغ ماؤها في الشارع دون توقف.
مازلت أتذكر في أوائل الستينيات، عندما كان أحد عمال الصحة يمر بالأحياء وخاصة الميادين ويطلب منا نحن الأطفال اللعب بعيداً لأنه سيصب مبيداً على هذه الميادين، وهذا المبيد يقضي على كل الحشرات، ولهذا لم تكن هناك هذه الأوبئة التي نسمع بها هذه الأيام، وكان العامل عندما يفرغ من هذه المهمة يأتي (مفتش) ويتأكد أن العامل قام بصبها في المكان الصحيح، وإذا وجد (حشرات) في ذلك المكان، فإنه يعاقب العامل بخصم من مرتبه دون رحمة لأن هذه صحة الناس. الآن لا أعرف أين انتهت تلك المبيدات، بل هي لم تنته لقد استبدلت بمبيدات (فالصو) من شركات الأحباب والأصدقاء التي دفعت لها المليارات، وأوهمنا أنفسنا أننا نكافح الحشرات ونحن في الحقيقة نربيها، الآن جاءكم الخريف والأمطار لن ترحم أحداً، ولن يكفي الدعاء والترحم لإيقاف الأمطار، لأن الله لم يقل للناس توقفوا وانتظروا ستأتيكم معجزة من السماء، والأمطار لن ترحم هذا العام أو العام التالي.. فتحركوا تحركوا تحركوا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية