الذكرى الثامنة لرحيل «محمد الأزهري».. مجدد الفكر الاتحادي!!
هل مات “محمد الأزهري”؟؟ المقصود من السؤال ليس الموت الحسي الذي ينتقل فيه المخلوق إلى الدار الآخرة، بل المقصود منه هو الموت السياسي لشخصية الفقيد الكبير “محمد إسماعيل الأزهري” إذا لم يشتمل سجل حياته على أعمال خالدة ومنجزات واضحة عندما كان يمارس التكاليف العامة قبل الذهاب إلى القبر؟
والآن في الذكرى الثامنة لرحيل الزعيم “محمد الأزهري” يثير فراقه الجلل لواعج الشوق والتأمل الشفيف وجرد الحساب من قبل أنصاره وجمهور الاتحاديين العريض والرأي العام السوداني، قد كان رحيل “محمد الأزهري” زلزالاً مهولاً وعنيفاً على عضد الزمن وفاجعة قاسية ومؤلمة على القلوب ومازال البعض لا يصدقون حتى اليوم فراقه!! لأن العقول لا تقبل فكرة موت الأشياء الجميلة سيما إذا كانت مرتبطة بالعشم الكبير والأمل الأخضر.
كان إكسير الفخامة وبيت القصيد في تركيبة الزعيم “محمد الأزهري” يتمثل في عشقه للفكر والتبجل في محاربه حتى الجنون، وما لا يعرفه الكثيرون عن شخصية “محمد الأزهري” ميوله إلى استخدام الفكرة الاتحادية في القالب الجديد كعنوان لتطوير الحياة السياسية السودانية، فقد كانت مشاريع الراحل على الصعيد السياسي والاجتماعي وحراكه الكثيف وطموحاته الواسعة مبنية على خلجات الفكر وأبعاده وزخمه في رسم الأمور على الحداثة ومتطلبات العصر، وكان الفقيد يبذل مجهوداً جباراً في سبيل إدخال الاتحاديين إلى عالم الأنوار والتألق والتخلي عن النمط الكلاسيكي والصور القديمة، وإذا كانت الحضارة الفرعونية سر قوة “مصر” والأدب القديم سر مزايا “روسيا”، فإن سر قوة “محمد الأزهري” هو إدمانه على الفكر، فالشاهد أن “محمد الأزهري” قام بدور مجدد الفكر الاتحادي في الكثير من الخطوات على أرض الواقع دون ضوضاء أو زعيق في إطار تحركات مدبرة بإحكام شديد، فقد كانت البداية تطبيق مشروع خط القواعد في التسعينيات على مستوى دوائر الاتحاديين الجغرافية بولاية الخرطوم، حيث تم وضع القرار في يد العضو القاعدي بالحي بدلاً عن الهيمنة والوجاهات الاجتماعية وصيغة التراضي.
ومن الأشياء التي تدل على الذكاء الشديد في عقلية الزعيم “محمد الأزهري” قيامه بتجديد وتطوير الفكرة السائدة عن أوضاع الختمية في المفهوم الاتحادي، فقد كان الكثيرون ينظرون إليهم كجسم موازٍ في الحزب وربما الشريحة المهيمنة، غير أن الراحل الكبير رأى من خلال نظرة بعيدة معاملة الختمية كأصحاب أيديولوجية اتحادية بحتة مثل القادرية والسمانية الاتحاديين وسحب الندية منهم بمرور الزمن منعاً للحساسية والإشكاليات، وهي فكرة لم تخطر حتى على الحرس القديم في عصر الاستقلال، وقد كانت بعض العناصر من الختمية توجد كل يوم في دار الزعيم “الأزهري” خلال ذلك الظرف، وفي سياق آخر عندما شعر “محمد الأزهري” بشح الاهتمام من جانب بعض الاتحاديين للفنون والآداب قام بتأسيس فرقة الكورال الفنية، وركز على دور الموسيقى والتراث في بناء المجتمع، وأدار عملية العصر الذهني حول الثقافة والفكر مع بعض شباب الحزب.
أدرك الراحل الكبير قوة التأثير الإيجابي على الصعيد السياسي والاجتماعي حينما يتمدد الاتحاديون على جميع الطوائف الدينية، لذلك قام بتمتين العلاقة مع الأقباط والطوائف المسيحية الأخرى، وبذات القدر حارب الفكرة الإسلامية الأصولية التي وجدت التعاطف من بعض الاتحاديين بدعوى التلاحم الإسلامي، حيث استخدم “محمد الأزهري” التفكير النقدي الواعي في إبطال هذه الموجة المتطرفة، كانت منابر الجامعات حكراً على الأحزاب العقائدية قبل سنوات عديدة، وقد كان الاتحاديون يجدون مشقة في دخول تلك العوالم، غير أن “محمد الأزهري” من خلال فكره التجديدي والحواري أزال ذلك الحائط.
كان الراحل الكبير يرى أن تطوير الفكرة الاتحادية المرتبطة بالبعد النفسي والاجتماعي حول بناء (الشفخانة) و(المدرسة) من خلال التمسك بالمزاج السوداني يمكن أن تساعد في بناء السودان وإدخاله مرحلة الألفية الثالثة وعصر اكتشافات الفضاء، فقد كان “محمد الأزهري” زعيماً استثنائياً رحل قبل الميعاد وغاب قبل مجئ فصل الربيع، حيث وقف في منتصف الطريق وأراد له القدر أن لا يكمل المشوار، وبذلك لم يحقق حلمه على الجلوس في الكرسي التاريخي بعد أن يجمع كل الاتحاديين في صعيد واحد.
اللهم أرحم “محمد الأزهري” مجدد الفكر الاتحادي.