رأي

ساحل "البحر الأحمر"

إذا تأملنا صورة المشهد على “البحر الأحمر” في الجانب السوداني، فسنكتشف أن الجانب الوحيد على طول ساحل “البحر الأحمر” الذي يخلو من أية منشآت سكنية أو سياحية. ولا يعرف أحد من الناس سر ذلك هل سجل الانجليز هذه المنطقة لأحد أبنائهم وطلبوا منه أن لا يقيم أية منشآت عليها، لو أعدنا النظر في المشهد لاكتشفنا شيئاً عجيباً، سنكتشف أن كل هذه المنطقة مأهولة بالسكان والعمائر على طول الساحل في الجانبين ما عدا في السودان، فهي في “المملكة العربية السعودية” ليست فقط مأهولة ومعمرة، بل تنتشر فيها الأشجار والحدائق الغناء، وهذا أنا رأيته بنفسي عندما كنت أعمل بالمملكة. حتى في “اريتريا” و”اليمن” هذه المنطقة مأهولة وبها حدائق غناء وأشجار مخضرة طول العام، ولكنها في الجانب السوداني حمراء جرداء خالية من النبات مع أن الأمطار التي تهطل على السودان في عام واحد تساوي ما يهطل في تلك المناطق في عشرة أعوام، ولكن كلها تذهب إلى البحر. حتى مدينة “سواكن” الأثرية التي كانت أول مدينة تشيِّد من عدة طوابق مع ساحل “البحر الأحمر” أهملناها وحاصرتها مياه البحر وبدأت مبانيها تتساقط، مع أن هذه المدينة كان من الممكن أن توظف لجذب السياح بعد قليل من الصيانة تشارك فيها المنظمات الدولية، والعائد من هذه المدينة سيكفي الإنفاق عليها وعلى غيرها لأن (الخواجات) القادمين من “أوروبا” والهاربين من، الجليد لن يجدوا منطقة أكثر دفئاً من “سواكن” التي فقط تحتاج لطريق مزدوج وأشجار وكافيتريات. لا يعرف أحد حتى الآن الأسباب التي تجعل الجميع لا يعرف هذه الحقيقة البسيطة، وإذاعة “البحر الأحمر” وقناتها بدلاً أن يكونا بوقاً للدعاية والسياحة ويقيمان مهرجانات تجذب السياح، انصرفا لحفلات “إنصاف مدني” و”ندى القلعة” التي لا يشاهدها أحد، بينما الطريق بين “بورتسودان” و”سواكن” لا يكاد يتحمل سيارات كأنما مكتوب علينا أن تكون طرقنا ضيقة لتحصد أرواحنا كل يوم.
أتوقف هنا لأسألكم ما الذي يمنع عمل طريق مزدوج مثل طريق (كورنيش) جدة؟. لقد سافرت مرة عبر (ميناء سواكن) لأداء العمرة فجئت من “جدة” الغارقة في الأضواء إلى “سواكن” الغارقة في الظلام، وصاحب الفندق لم يجد وسيلة سوى محاولة تشغيل مولد عجوز وعندما فشل ذهب إلى النوم وتركنا في الظلام حتى الصباح والفئران تتقافز حولنا.
ولهذا هربت إلى الشارع منذ (الخامسة) صباحاً حتى لا تأكلني الفئران، ولم أصدق أنني وصلت إلى “الخرطوم” بعد رحلة شاقة جعلتني أندم على مجرد التفكير في السفر عبر “سواكن”.
هناك مقاهٍ بدائية معمولة من الخشب والرواكيب ولا أحد يعرف سر بناء هذه المقاهي بهذا الوضع المتخلف.. لماذا لا يقام طريق (كورنيش) بين “سواكن” و”بورتسودان” يشبه (كورنيش) جدة، لا تقولوا لي إن الكلفة عالية لأن من يعمر هذه المنطقة سيسترد كل ما أنفقه في عام واحد ويبدأ في جني الأرباح.
لماذا توقف التفكير في تعمير “سواكن”، هل هناك أمر جمهوري صدر من أحد الرؤساء اعترضت منظمة دولية للآثار على تعمير “سواكن”؟ لا أظن ذلك نحن الآن نشكو من تكدس الناس على (وادي النيل)، فلماذا لا نقيم مجمعات سكنية على طول ساحل “البحر الأحمر”. ولماذا لا يكون ساحل “البحر الأحمر” مضاءً كله كما هو الحال في “جدة”؟!
إن قيام عمارات سكنية ضخمة تجمع العشرات من الأسر في مكان واحد ويسهل تقديم الخدمات، لقد قلنا هذا الحديث أكثر من مائة مرة ولم يتحرك أحد، لذلك أدعو الشباب ورجال الأعمال بالاتجاه إلى هذا المجال بالاتفاق مع رأس المال (الخليجي) و(السعودي)، وأنا على يقين أنهم سيتحمسوا لهذا المشروع أكثر منا لأنهم يعرفون قيمة هذه المنطقة. قد يقول أحدهم إنها حارة في الصيف، وأقول لهم هذه ميزة وليست عيباً لأنها أدفء منطقة في الشتاء والأوروبيون يبحثون عن الدفء، فلماذا نتركها للمصريين الذين يقارب مناخهم مناخ “أوروبا”؟!
لماذا لا يتم تغيير الولاة الذين لا يفكرون في ذلك، لماذا لا تجمع التبرعات من أجل “سواكن” كما كان في السابق؟ لماذا لا يدخل رأس المال (السوداني) و(الخليجي)؟ هل رفض ولماذا لم يرفض للمصريين واستجاب فوراً؟ لماذا لا يستفاد من أكبر مشتاء في العالم؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية