المشهد السياسي

حادثة منسوبي الوالي..

دار الجدل والحديث عن قضية منسوبي السيد والي الخرطوم كثيراً وطويلاً من الناحية القانونية والإدارية وغيرهما، ومع ذلك يظل ما هو مرغوب ومطلوب أكثر لأن القضية تقع في حيز وإطار عملية التغيير والكشف عن الفساد وأسلوب إدارة الدولة لمرافقها بالكوادر والسياسات والنظم الإدارية.
فالمنسوبان للسيد الوالي الدكتور “عبد الرحمن الخضر” وقد فعلا ما فعلا من الحصول على المال الحرام عبر استثمار واستغلال موقعيهما في ذلك الموقع الإداري اللامركزي الكبير وهو ولاية الخرطوم، يجعل المراقب والمتابع للشأن العام يسأل:
{ كيف وصل أولئك إلى ذلك الموقع؟
{ وما الطريقة التي ظل يتعامل بها السيد الوالي مع منسوبيه والأقرب إليه (مكاناً) في طاقمه الإداري؟
ومصدر هذين السؤالين أن السيد الوالي يعتمد في حراكه الإداري في ولايته وربما غير ذلك على هؤلاء، فهم أهل الثقة وآلية الاتصال مع الآخرين. والحال كذلك فإن السيد الوالي يتوجب عليه، بل يلزمه أن يقف على حسن أداء منسوبيه وربان سفينته الأقرب حتى لا يطيح به أو يسئ إليه سلوكهم وممارستهم آخر النهار..! فما حدث من اعتداء على المال العام وعلى صلاحيات وإمكانيات ومعينات السيد الوالي في تسيير دولاب العمل، ينظر إليه على أنه إهمال أو غفلة كبيرة وربما غير ذلك.. والجو مشحون بالاتهامات وسوء الظن السياسي وغيره..!
السيد الوالي وقبل أن تصله الإشارة من جهات أخرى في إطار مكافحة الفساد وكشفه وسياسة التغيير والحوار الوطني الذي يبدأ بالنفس والذات بالضرورة، كان يتحتم عليه أن يلحظ أثر تلك النعمة (النقمة) على موظفيه اللذان تلاعبا بصلاحياته وصرفاها مليارات من قيمة الأراضي التي استوليا عليها..!
هذه نقطة، والنقطة الثانية: هل كانت الثقة بهؤلاء تصرف عنهم آلية إعمال الرقابة عليهما (تحفظاً وحيطة..) أم هي الثقة (العمياء) كما يذهب البعض إلى القول..؟
الدكتور “الخضر” ألقى بإشارة الاتهام بين يدي (وزارة العدل) التي تتابع وتلاحق الفساد.. وكانت النتيجة تبعاً لقانون الثراء الحرام هي التي انتهى إليها الأمر باسترداد المبالغ المذكورة وإطلاق سراح من قاما باستغلال النفوذ وترجماه إلى عائد مالي وصل إلى المليارات.
وتلك حسنة تحسب للسيد الوالي، إلا أن مراجعة الأداء ونظم الأداء ومن يقومون به في الولاية المركزية هو الأجدر بالانتباه والالتفاف.. رغم ما يرشح الآن من عملية تغيير في الدست الولائي في البلاد بشكل عام قد لا تستثني الدكتور “عبد الرحمن الخضر” والي الخرطوم.
حادثة منسوبي مكتب السيد والي الخرطوم، ورغم ما أثير حولها من جدل ورضا وعدم رضا، إلا أنها ألقت بجملة رسائل يجب الوقوف عندها لإصلاح الحال ومحاربة الفساد، وذلك قانوناً وإدارياً وسياسياً.. فالحال أكبر من محاصرته بإجراءات ووسائل قاصرة على استرداد المال العام، وقد أثير ذلك كله من قبل كثيرين تطرقوا إلى الموضوع الذي حرك المياه الراكدة تقريباً.
ذلك أن قانون مكافحة الفساد والثراء الحرام يحتاج إلى تعديل ومعالجة قانونية تفي بالغرض ولا تغري الآخرين بفعل ما فعل منسوبو السيد الوالي.. ومن بعد يسرحون ويمرحون أحراراً وطلقاء.. وقد أعادوا المال المنهوب باستغلال النفوذ إلى خزينة الدولة.. وهذا ما يجري الإعداد له حسب الأخبار.
وهذه نقطة يمكن معالجتها وسد الثغرات فيها بتعديل القانون عبر المجلس التشريعي القومي (حالياً) إذا أوفى ذلك بالغرض أو بعد إعادة كتابة الدستور والبلد مقبلة على تطبيق مخرجات حوار وطني وانتخابات رئاسية وتشريعية قادمة.
فالمعالجة للقانون مقدور عليها في ضوء ما ذكرنا وأشرنا إليه، إلا أن ثمة رسائل أخرى ألقت بها الحادثة لابد من أخذها في الاعتبار.. ومن أهمها وأبرزها – فيما نرى:
أولاً: مراجعة نظم الإدارة وأساليبها لتفي بالغرض وتكفي البلاد شر التسيب وإطلاق الحبل على الغارب!
ثانياً: حسن الاختيار ومتابعة الأداء على الأسس والنمط الحديث تحسباً للتفلتات واللعب على النفوذ والصلاحيات كما حدث في بعض منسوبي السيد والي الخرطوم.
لقد قللت الإدارة الالكترونية الحديثة من فرص التسيب وسوء الأداء والفساد المالي والإداري تحديداً في البنوك وغيرها من المؤسسات المالية.. فلو أن نظام الإدارة والمتابعة الالكترونية، قد أُدخل في الأداء الحكومي العام لقلل ذلك من الفرص السالبة.
إن السيد والي الخرطوم ومن هم في مقامه من المسؤولين الرسميين والدستوريين تتعدد مسؤولياتهم وأنشطتهم، بيد أن في الإدارة الرقمية والالكترونية ما يهون عليهم مسؤولياتهم ويجنبهم الوقوع في الخطأ – بقدر الإمكان – وفي أي مستوى أو صعيد من الصُعد.
وعليه، فإن تجديد نظم الإدارة وأساليبها تحتمه المستجدات والمتغيرات.. فالمسؤول اليوم غير المسؤول بالأمس الذي تسيطر عليه أساليب الإدارة التقليدية مما يجعله بعيداً عن المتابعة ورصد التفلتات واستغلال النفوذ والإمكانيات والمعينات.
والتغيير الذي حدث في بداية هذا العام على الصعيد السياسي ليس كافياً ولا يفي بكل ما هو مطلوب. صحيح أن السيد الوالي “د. عبد الرحمن الخضر” كان بإمكانه أن يلحظ أثر (النعمة) (النقمة) على منسوبيه صاحبي الواقعة الشهيرة وهما يلعبان بالأراضي والقطع السكنية الفاخرة، قبل أن تأتيه الإشارة من الخارج، لو أن الإدارة الحديثة كان لها دورها في الظرف الراهن.
وأياً كان الحال.. وكيفما.. ونحن في هذا (المشهد السياسي) نتناول (حادثة منسوبي الوالي) نقول (رب ضارة نافعة).. فهي شدّت الانتباه – كما ذكر غيرنا – إلى جملة مطلوبات منها القانوني والإداري وغير ذلك لا ريب، إلا أن الحادثة قد وقعت في قلب ولاية الخرطوم وفي مكتب السيد الوالي “د. عبد الرحمن الخضر”، تبدو ذات مدلول وقيمة خاصين.. فعلى الآخرين أن ينتبهوا ويتحسسوا أطرافهم، فالمصائب لا تأتي فرادى – والعياذ بالله.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية