تقارير

المعارضة وجدلية الحوار.. هل يكفي ما تحقق من حريات؟

مرت الندوات التي أقامتها قوى المعارضة خلال الفترة السابقة بما يشتهي مناصرو إطلاق الحريات العامة سواء أكانوا من جانب الحكومة أو من قوى المعارضة.. ندوتان أقامهما حزبي (المؤتمر السوداني) و(الحزب الشيوعي) بعد القرار الأخير القاضي بإطلاق حرية العمل السياسي خارج دور الأحزاب، وأحدثت الندوتان حراكاً كبيراً في المشهد السياسي، ورغم اتفاق طرفي النزاع – الحكومة والمعارضة – على أهمية تعلية مبدأ الحرية واتفاقهما على أن ما ستأتي به الحرية خلال أيام قليلة لن تستطيع سنوات الخصام والاحتراب أن تأتي بها، ولكن رغم ذلك فإن ذات الطرفين يقفان مرة أخرى على نقيض التقييم سواء ما تم من انفراج على مستوى الحريات أو حرية العمل السياسي والإعلامي، أو مطلوبات المرحلة المقبلة.
قوى المعارضة ما تزال تعتقد أن ثمة ما يمكن أن يسهم في تجسير الهوة بين (الحكومة) و(المعارضة) بمزيد من القرارات وتغيير بعض الجوانب المتعلقة بحرية العمل السياسي التي ما تزال كما يرون أنها مقيدة بقوانين تحد من تمددها، ويتخوفون من أن يتم الانقلاب على تلك الحريات في أي وقت لاحق، بينما ترى الحكومة أن ما تم من حريات كافٍ لأن تغير قوى المعارضة نظرتها وتخندقها حول مطلوبات ترى أنها تعجيزية، وأنهم يتمترسون حول مطالب تعجيزية.
مطلوبات ناقصة
هل ما تحقق من حريات كافٍ لأن تغير قوى المعارضة نظرتها للدخول مع الحكومة في حوار جاد ومسؤول يقيل البلاد من أزماتها السياسية، ويسهم في وضع خطوط عريضة لإقالتها من عثراتها المتتابعة؟ وهل ما تحقق من انفراج خلال الفترة السابقة يمكن أن يقود قوى المعارضة إلى الجلوس مع الحكومة على الطاولة للدفع بمقترحاتها للمساهمة في حل المشاكل السودانية؟
جاءت إجابة الناطق الرسمي باسم (الحزب الشيوعي) «يوسف حسين» محددة وواضحة وهو يقول لـ(المجهر) أمس إن مطلوبات الحوار لم تكتمل بعد، وتابع: صحيح أن هناك ندوات أُقيمت ولكننا نطالب بإلغاء القوانين المقيدة للحريات وإطلاق سراح الأسرى السياسيين، لأن إقامة الندوات خلال فترة سابقة لم يمنع ذات الجهات من أن تمنع إلغاء ندوات أخرى، وإطلاق سراح الأسرى السياسيين لن يمنع من اعتقالهم مجدداً، ولهذا فإن إلغاء القوانين هو الأمر الأكثر أهمية، ودعا «حسين» إلى تكوين آلية قومية لإدارة الحوار، مؤكداً أنه لا (المؤتمر الوطني) ولا تحالف المعارضة ولا حتى (الحزب الشيوعي) نفسه مناسب لإدارة الحوار.
وكشف الناطق باسم (الحزب الشيوعي) عن وجود عشرين معتقلاً سياسياً ما يزالون رهن الاعتقال، بالإضافة إلى الحروب الدائرة في «جنوب كردفان» و»النيل الأزرق» والمحاكمات الجارية لمعتقلي (هبة) سبتمبر من «الخوجلاب» و»دار السلام»، ولكل ذلك لا يمكن أن نقول إن مطلوبات الحوار مع الحكومة قد اكتملت، إلى جانب تصريحات قادة النظام مثل (خطاب بورتسودان) الذي أكد أن الإنقاذ باقية وأنه لا تفكير في حكومة قومية، وإذا كان هذا ما يفكرون فيه فعلى ماذا سيتحاور الناس؟ كما أن مساعد الرئيس البروفيسور «إبراهيم غندور» قال إن الحكومة القومية ستكون بعد الانتخابات، وتصريحات أخرى لنائب رئيس الجمهورية في ذات الاتجاه، كاشفاً عن موافقة حزبه على اللجنة التي كونها (حزب الأمة القومي) لمراجعة مطلوبات الحوار التي لم تكتمل.
تحدٍ أمام الأحزاب
القيادي بـ(حزب المؤتمر الوطني) الحاكم «د. ربيع عبد العاطي» يبدو أنه آثر الحديث عن موضوع الحريات والمطلوبات بتغليف فلسفي، قائلاً: «هناك بعض الأوقات التي يكون فيها الإنسان حراً ولا يعرف ما يريده بتلك الحرية ولا يستطيع أن يستفيد منها، ولهذا فإن الذي يتصرف بغير هدى ولا كتاب منير فإن الحرية تكون خصماً عليه، وتابع: الآن الحرية هي الثروة التي يملكها الإنسان لذلك لابد أن يحسن استغلالها، وزاد: الآن الأحزاب أمام تحدٍ يتمثل في كيفية الاستفادة منها حتى لا يتم تبديدها سفهاً وغفلة، لأن السفيه والغافل يمكن أن يتم الحجر عليهما»، رغم الإشارات الحادة في حديث «د. ربيع عبد العاطي» إلا أنه بدا أكثر هدوءاً وهو يعقب على سؤال حول تخوف المعارضة من ردة فعل حكومية حول مسألة الحريات لأنها غير مضمونة بقوانين، وقال: الحرية بمعنى أن تأتي بدلوك وتساهم في إصلاح القوانين، والتنمية والحرية ليس معناها أن تكون هناك مطالب وهناك من ينفذ هذه المطالب.. والحرية ليست مطالبات وإنما مساهمة، مؤكداً أن الكرة الآن في ملعب الأحزاب السياسية لأن للجميع الحق في أن يقولوا رأيهم لأن الحرية لنا ولسوانا، وتابع: الحرية ليست أن تكون سيداً والآخرون ينفذون ما تقول.
واعتبر «د. عبد العاطي» أن المجال أصبح واسعاً وفسيحاً وعلى الجميع أن يأتي إلى هذا المجال الواسع، وأن ينزل كل الناس إلى الأرض وإصلاح ما يرونه معطوباً، وقطع بأنه ليس فوق الحرية شيء أخر، وأنه إن كانت لقوى المعارضة أية اعتراضات أو ملاحظات، فإن عليهم أن يأتوا ليشاركوا في تعديلها، مشيراً إلى أن مسألة معتقلي مظاهرات سبتمبر الماضي يجب فض الاشتباك فيها بين ما هو سياسي وجنائي، وختم بقوله: (هناك مسائل الحلال والحرام ولكن بينهما أمور متشابهة).
المحامي «ساطع الحاج» الذي خاطب بلهجة حاسمة الجماهير في ندوة (الحزب الشيوعي) الأخيرة بقوله: (إن الحرية التي جعلت قيام هذه الندوة ممكناً، ليست منحة من أحد، وإنما جاءت من تضحيات هذا الشعب، وأن إسقاط النظام هو الخط الاستراتيجي لتحالف المعارضة، وأنهم يريدون حواراً يقود لتفكيك النظام، ويفتح المجال للتداول السلمي للسلطة). يفتح هذا الحديث الجدل مجدداً حول جناحي المعارضة الذي يهدف الأول فيهما إلى إسقاط النظام وتفكيكه مثلما يأتي في أدبيات قوى المعارضة الرافضة للحوار، بينما يبرز الاتجاه الآخر الذي يقوده (حزب الأمة القومي) الذي يدعو إلى التحاور مع الحكومة وأعمال التغيير الناعم الذي بشر به «الصادق المهدي»، وبين كل هذا وذاك يظل خيط الحريات مشدوداً في أوقات وممهولاً في أحايين أخرى، ويظل متنقلاً بين المعارضة الشرسة والأخرى الناعمة، وتبدأ المخاوف مثارة مرة أخرى مثلما ختم «يوسف حسين» حديثه أمس بقوله إن السلطات سمحت بقيام الندوات نعم.. ولكن القوانين لم تتغير وحتى القرار الجمهوري (185) لم يتحدث عن إخطار السلطات المعنية، ولكن تحدث عن تصديق لإقامة الندوات الجماهيرية، وفي هذا الأمر يمكن أن يمنحوك التصديق أو لا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية