نائب الأمين السياسي للشعبي "يوسف لبس" في حوار فوق العادة مع (المجهر) (2-2)
ونحن جلوس في داره المتواضعة بضاحية (عد حسين)، كانت رفيقة دربه تعمل على خدمتنا بدأب شديد، وأثناء الحوار قدمت ابنته من الجامعة، تلك الفتاة التي تركها طفلة صغيرة ليخرج من السجن ويجدها فوق العشرين من عمرها. حوارنا معه كان محاولة لتشريح التاريخ القريب للحركة الإسلامية والإنقاذ، وسعياً لسبر أغوار الواقع الملتبس الذي تعيشه البلد ويعيشه المؤتمر الشعبي تقلباً من معاداة النظام إلى محاورته. ذلك كان نائب الأمين السياسي للشعبي الباشمهندس “يوسف محمد صالح لبس” يجيب عنه بكل صراحة وجرأة، وصبر قد يكون تعلمه من سنوات سجنه الاثنتي عشرة، التي أنهاها قبل أشهر قليلة، فلم يستنكف الرجل أن يقول رأيه صراحة في تجربة الحركة الإسلامية في الحكم، وفي واقع حزبه، بل وفي ما يتعلق به شخصياً من ابتلاءات، وما يمكن أن تصير إليه البلد في ظل ما تعانيه من أوضاع.
} (الشعبي) دفع أثماناً تجاه قضية “دارفور”.. ورغم عودتها الآن لحالة التأزم بشدة تتجهون نحو الحوار.. فهل كنتم فقط تتاجرون بالقضية؟
– أبداً، فـ(الشعبي) أكثر حزب قدم تضحيات كبيرة تجاه قضية “دارفور”، وما يحدث الآن من تصعيد يقف وراءه تيار داخل النظام لا يريد الوفاق والحوار، فعمد لتصعيد العمليات العسكرية لإثارة الطرف الآخر وإبعاده عن التفكير في الحوار.
} ما هي هذه الجهات المعترضة على الحوار؟
– لا أستطيع أن أقول إنهم أفراد أو مؤسسات، لكن بالتأكيد هناك ناس عايزين (يبوظوا) عملية الحوار والوفاق.
} وكيف يمكن مقاومة هذا التيار؟
– أنا أناشد الرئيس “البشير” للتدخل واتخاذ تدابير تكفل للكافة الدخول في الحوار لضمان نتائج تنقذ البلد.
} هل تولى (الشعبي) ملف إقناع الحركات المسلحة بالحوار؟
} لا أبداً، لم نتسلم الملف ولم نلتق بالحركات المسلحة، ولكن بما لنا من اهتمام ومواقف إيجابية تجاه المناطق الملتهبة، فيمكننا الاتصال بهذه الحركات لتندرج في الحوار، ويحدث هذا بالاتفاق مع القوى الأخرى بما فيها النظام.
} هل أنتم مؤهلون للعب هذا الدور.. وهل تثق بكم الحركات؟
– نحن مؤهلون جداً للقيام بهذا الدور، بالنظر لمواقفنا السابقة والثابتة، ونحن أكثر حزب تثق فيه الحركات، ونقف منها جميعها على مستوى واحد، وهذا يؤهلنا للعب دور إيجابي.
} من خلال معلوماتكم.. هل الحركات مستعدة للقبول بالحوار؟
– الحركات لا تنفصل من القوى السياسية بالداخل، فإن كان لهذه القوى موقف إيجابي من الحوار فسينسحب عليها، لكن صراحة ما يقوم به التيار الرافض للحوار من تصعيد غير مبرر في “دارفور” يعيق الحوار ومدى قبول الحركات به.
} ولكن هذه الحركات لها محكومون داخل السجون.. فهل يمكن أن تستجيب للحوار قبل إطلاق سراح منسوبيها؟
– بالتأكيد لابد من تهيئة الأجواء للحوار، والآن منسوبي الحركات (مجنزرين) داخل السجون لأكثر من ست سنوات، ولكن أتوقع أن يصدر الرئيس قراراً بإطلاق سراحهم قريباً إبداءً لحسن النوايا.
} في تقديرك.. هل مشكلة “دارفور” قريبة الآن من الحل أم أنها تعقدت أكثر؟
– لا أرى أنها تعقدت أكثر، وقد حدث استهلاك لموارد الدولة ولإنسان “دارفور”، والحل في “دارفور” ليس صعباً، ولكن بشرط أن يتجرد الجانب الحكومي ويعمل على تهيئة الأجواء للوصول لنهايات للأزمة، لكن التصعيد الحادث الآن في شهري (فبراير) و(مارس) في “دارفور” ليس من المصلحة ولم يسبق له مثيل، وتسبب في أكبر حالات نزوح وحرق للقرى، وليس لهذا التصعيد مبرراً عقب دعوة الرئيس للحوار، لأن ما يتم لا يستهدف الحركات المسلحة بل هو تهجير للمواطنين، ورغم هذا أنا متفائل أن الحوار والحلول ستصل لنهاياتها.
} ما مصدر هذا التفاؤل؟
– المصدر هو طبيعة أهل “دارفور”، فالعفو قيمة أساسية عندهم، وأنا لم أر قصاصاً من قاتل إلا هنا في الخرطوم، ولكن في “دارفور” دائماً يعالج الأمر عبر التسويات والعفو، ورغم حجم الخسائر لو خلصت النوايا، أنا متأكد أن القضية سيتم علاجها.
} هذا يدفع للتساؤل.. هل تغير الآن تصور (الشعبي) لشكل العدالة في “دارفور”.. وهل تخليتم عن تأييد الجنائية الدولية؟
– نحن لا نتحدث عن الجنائية، بل نطالب بالعدالة أينما وكيفما كانت، والجنائية الدولية غير حريصة على التدخل إن تمت معالجات داخلية، ولكن يجب التأكيد على أن الحقوق الخاصة لا يمكن إلغاؤها أو العفو عنها أبداً، إلا عبر أهل القتلى وقبولهم بالعفو أو الدية أو غيرها. وقضية العدالة يجلس الناس لوجود معالجات بما يتفقوا عليه، وهذا لا نحسمه نحن في (الشعبي)، بل تحسمه أطراف النزاع عبر طاولة المفاوضات.
} ولكن أطراف النزاع هؤلاء.. هل ممثلون في المفاوضات؟
– يجب أن يمثلوا بشكل أو آخر، وأن يشارك ممثلون للمتضررين وأطراف النزاع في الحوار عبر منظمات المجتمع المدني أو غيرها.
} هل هذا كافٍ لتحقيق العدالة وقبول أهل “دارفور” بمخرجاتها؟
– هناك تجارب كثيرة حدثت في العالم لإرساء العدالة، في “جنوب أفريقيا” و”رواندا” وغيرهما، ولكن ينبغي أولاً أن يعترف النظام بارتكابه جرائم ويعتذر للشعب، حتى يستجيب الشعب لنماذج العدالة الانتقالية التي شهدها العالم.
} هل هناك وعود أو ضمانات للنظام بإجراء تسويات بخصوص الجنائية إن استمر في الحوار لنهاياته؟
– لا ليست هناك أية وعود، ولم تتم مناقشة هذه القضية أصلاً.
} قد يستغرب البعض صدور هذه اللغة المتسامحة من شخص خارج لتوه من سجن لأكثر من عقد من عمره..
– نحن لا نتحدث عن أشخاصنا، ومن يتحدث عن شخصه ليست له أهلية لتمثيل الآخرين، فنحن نتحدث عن المبادئ الأساسية وعن حقوق الناس كلهم، وأنا شخصياً لا تعني لي شيئاً الإثنا عشرة سنة التي قضيتها في السجن، فهذا قدر من أقدار الله مسطر لي منذ ولدت.
} هل اعتذر لك النظام أو رموز منه عن فترة سجنك الطويلة؟
– لا أقول اعتذار، لكن هناك رموزاً من النظام زاروني بعد خروجي من السجن، وصحيح هناك ناس لا حول لهم ولا قوة وشعرت أنهم متأسفون جداً لما حدث لي.
} هل زارك مدير جهاز الأمن السابق “صلاح قوش” بعد خروجك؟
– نعم زارني في البيت.
} هل اعتذر لك “قوش” بالذات اعتذاراً مباشراً، خاصة أنه كان أكثر الناس إصرارا على بقائك في السجن؟
– ـ أطرق قليلاً ـ نعم نعم، اعتذر لي. “قوش” كان مديراً لجهاز الأمن وكان يرى أنه مسؤول عن أمن البلد، وكان يرى أنه لا يمكن السيطرة على “يوسف لبس”، وهذا بالتأكيد خطأ، فكيف يمكن لشخص وليس منظومة أن يشكل خطراً على البلد، عموماً هذا كان خطأ، ولكنه في النهاية هذا تقدير بشري من “قوش”.
} وهل تقبلت أنت الاعتذار؟
– نعم تقبلته، فأنا ليست لي مشكلة معه.
} هل كان هناك خلاف تاريخي بينكما، وأنتما الاثنان كنتما على علاقة بالأجهزة الإستخبارية للحركة الإسلامية؟
– لا أبداً، بل كانت بيننا صداقة قديمة، فقد تعاشرنا في الجامعة ودرسنا كلية واحدة، وكنا في أمانة واحدة، وقبل (الإنقاذ) أيضاً عملنا تنظيمياً مع بعض، بعدها هو انتسب للجهاز ونحن بقينا في التنظيم، وإن كان هناك خلاف فقد كان في رؤية العمل، لكن ليس هناك خلاف شخصي.
} هل كنت تنتقد صراحة أداء “قوش” في الأمن؟
– نعم.. كنت أنتقده وانتقد طريقة أدائه في جهاز الأمن ونحن خارج الجهاز.
} هل يمكن أن يكون هذا سبباً في أن يتخذ ضدك مواقف متشددة لاحقاً أبقتك في السجن تلك المدة؟
– لا أظن أن شخصاً مثل “صلاح قوش” يمكن أن ينتقم مني بناءً على مواقف سابقة مثل التي رويتها.
} خروجك من السجن يدل على تفشي العنصرية في البلد فأنت لم تخرج إلا بمبادرة من أهلك (الزغاوة)؟
– الخطأ الكبير الذي ارتكب خلال الفترة الماضية، هو مسألة التمييز بين الناس عنصرياً، وهي أمر خطير جداً، فقد عوقب شباب بسبب قضايا جهوية بحتة، وهذا أمر مؤسف جداً لم نعرفه أصلاً في (الحركة الإسلامية)، فلم نكن نسأل أبداً عن عنصر شخص، كان الإسلام فقط هو النسب الذي يجمع بيننا، ولكن للأسف في ظل الدولة الإسلامية ارتددنا للحديث عن هذا (غرابي) وهذا من الشمالية، والله هذه فضيحة بمعنى الكلمة، والغريب أن الشخص العنصري نفسه يأتي ليتهمنا بأننا عنصريون. وبعض أفراد الأمن كانوا يعتذرون لنا بأنه قد تم تضليلهم في فكرتهم عنا وتعبئتهم بأننا وحوش نأكل الناس، وأقروا بأن كل ما قيل لهم عنا غير صحيح، نسأل الله أن يقشع هذه الغمة وأن يعود الناس لطبيعتهم ويندمجوا في المجتمع.
} (الشعبي) ماضٍ نحو مرحلة جديدة.. فهل تعتزمون إجراء تغييرات في قيادة وهياكل الحزب؟
– لا أبداً، ليست هناك تغييرات الآن، ولكن سنة (الحركة الإسلامية) التجديد في كل المناحي، وسيتم التجديد في كل مرحلة.
} متى ينعقد المؤتمر العام للحزب؟
– لم يحدد بعد موعد المؤتمر العام.
} ألا تفكرون في استبدال “الترابي” ومغادرته لمنصب الأمين العام؟
– حتى هذه اللحظة لم نناقش هذا الأمر، لأننا في مرحلة تقتضي استمرار الأجهزة كما هي، لكن وجود “د. الترابي” بأي شكل من الأشكال أمر ضروري ومهم جداً، ليس لـ(الحركة الإسلامية) فقط، بل مهم للسودان والعالم الإسلامي كله.
} من هو بديل “الترابي” في حال ذهابه؟
– أي شخص من (الحركة الإسلامية) يمكن أن يقود، وينبغي الفهم أن الشخص القائد لا يعني أنه هو الذي يفكر ويخطط ويقرر، ولكن هناك (هوم ويرك) يقوم به فريق عمل، لذلك أي شخص يكلف يمكن أن يقود الحزب.
} (الشعبي) سينتهي ويزول تماماً في حال غياب “الترابي” لأي سبب..
– هذا كلام غير صحيح، فـ(الشعبي) منظومة بأجهزتها وعضويتها ورؤاها وأفكارها وخططها وهياكلها، لا يمكن أبداً لتنظيم بهذا الشكل أن ينتهي بغياب شخص.
} ما هي خطواتكم الآن للبدء في الحوار؟
– نحن الآن نقوم بدراسة كيفية الحوار، وقد شكلَّنا لجاناً معنية بالحوار، وأمانة التنظيم هي التي تشرف على العمل كله.
} هل التقاكم أو اتصل بكم (الوطني) عقب لقاء قاعة الصداقة؟
– لا أبداً، نحن طرحنا أن تتم اللقاءات علنية بغرض محدد ومعروف.
} هل لديكم مساعٍ لإقناع تحالف المعارضة؟
– نعم، نلتقيهم وندعوهم للاتجاه نحو الحوار.
} هل هناك بوادر قبول منهم؟
– حتى الآن هم متمسكون بمواقفهم، ولكنهم سيغيرون هذا المواقف.
} ما الذي يجعلهم يغيرون مواقفهم؟
– لأن الواقع يفرض هذا، ليس أمامهم غير القبول بالحوار.