بعد ومسافة
أكره الحكومة كما تشاء.. ولكن
مصطفى أبو العزائم
ليس مطلوباً من الناس أن (يحبوا) حكوماتهم، حتى وإن أحبتهم هذه الحكومات، وأحبت (أصواتهم) وسندهم، لأن المعلوم بالضرورة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم أن نصف الرعية قد تكون في غير صف الحاكم، وإن عدل.. لكن المطلوب من الحاكم أن يكون عادلاً أميناً وقوياً، ففي الأثر أن “أبا ذر” رضي الله عنه – قال.. قلت يا رسول الله: ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا “أبا ذر” إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها.
للحاكم ملكاً أو رئيساً مهام ومسؤوليات ضخمة يحاسب عليها أمام الله تعالى في يوم القيامة، أولها المحافظة على دين الله وصيانته بكل الوسائل لأن غيرة المسلم على دينه، لا تقل عن غيرته على نفسه وعرضه وماله ووطنه بل هي أعظم وأجل.
أما ثاني تلك المهام التي تستوجب القيام بها من قبل الحاكم فهي رعاية مصالح الأمة، والعمل على ترقية المحكومين والنهوض بهم في مجالات العلوم والثقافة والصناعة والزراعة والري والمجتمع، والاستعانة بأصحاب الخبرات الناصحين في كل تخصص، بحيث يتم تولية أهل الجدارة والاستحقاق لا أهل الثقة، لأن هذا يقود إلى الهدف الكبير والمتمثل في رعاية مصالح الأمة.
ويتوجب على الحاكم أن يحافظ على الآداب العامة، ويمنع من يجاهر بالمعصية ويحارب الخارجين على آداب المجتمع والمعتدين على حريات الآخرين، منعاً لانزلاق المجتمعات إلى مستنقعات الرذيلة والفساد، وعلى الحاكم وأركان حكمه إسداء النصح إلى المحكومين بكل الوسائل المتاحة خاصة الإعلام الذي تطورت وسائله وآلياته خدمة للمجتمعات الحديثة.
وعلى الحاكم محاسبة وزرائه وقيادات حكمه محاسبة مباشرة أو عن طريق مؤسسات مفوضة، بحيث لا يتم إطلاق أيادي معاونيه في أمور الناس يفعلون ما يشاءون بغير حساب.. ثم على الحاكم أن يستمع إلى رعيته إما مباشرة من خلال المجالس المباشرة إذا ما اتبع سياسة الأبواب المفتوحة، أو إما عن طريق التقارير أو ما تنشره وتبثه أجهزة الإعلام والصحافة الحرة.
وعلى الحاكم أن يستشير أهل الاختصاص وأهل الحل والعقد في كل مجال فيما ليس فيه حكم شرعي، ويجب ألا يستأثر برأيه وحده أو رأي جماعة مقربة وخاصة، لذلك يجب أن توضع الدساتير والقوانين التي تمنح الشعب حق مناصحة الحاكم ومراقبته ومحاسبته إن أخطأ لأنه بشر لن يكون معصوماً من الخطأ. وقد قال سيدنا “أبو بكر الصديق” رضي الله عنه يوم مبايعته خليفة للمسلمين (أيها الناس وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت أعينوني، وإن أسأت فقوموني، القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه،والضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له).
نعود لما بدأنا به، وهو أن معيار المحاسبة والتقييم يعود إلى مدى مطابقة فعل الحاكم لما أمره به الله تعالى، وإلى مدى التزامه تحقيق العدالة بين أبناء شعبه، لذلك لا يهم إن أحببت الحكومة أو الرئيس أو لم تحبه، علينا أن نحتكم لموقفه مما أشرنا إليه، لكن ذلك الحب والبغض وهما أمران شخصيان لا يملك حيالها المرء شيئاً يجب ألا يعميا الذين نصبوا من أنفسهم حكاماً وقضاة يحاسبون الحاكم على عمله، فإن أصاب على الجميع إعانته وإن أخطأ فعلى أهل المعرفة والحل والربط تقويمه.. فمصالح الأمم والشعوب لا تعرف الحب والكره، وليكره المواطن – أي مواطن – حاكمه وحكومته، لكن عليه ألا يجعل ذلك مدخلاً لبغض وطنه وكرهه، مثلما يحاول البعض أن يفعل ذلك الآن.
قبل الختام: تقديرنا لمدى نجاح العودة للعصيان المدني اليوم أنها لن تكون ذات جدوى، إن تبنتها أحزاب المعارضة الفاشلة التي ظلت تحلم بالحكم وتفشل في إقناع المواطن، بمساندتها وتبني برامجها التي لا تقدم من خلالها برامج حقيقية للحكم، كما أنها لن تكون ذات جدوى إذا لم تتعطل الخدمات تماماً، وإذا لم يتفاعل موظفو الدولة والعاملون في مؤسساتها مع تلك الدعوة، لكن علينا ألا ننسى أن هذه الدعوة الشبابية الخالصة البعيدة عن أحلام الساسة، فتحت أفقاً جديداً للتعبير عن المطالب المتمثلة في الإصلاح والتراجع عن سياسات رفع الدعم دون دماء أو حروب.