أخبار

الانتهازي!!

تظهر الحكومة ووفدها الحكومي المفاوض موقفاً أخلاقياً محترماً ويدعم اتجاهات الحوار الوطني بالداخل بقوة، فقد لمس كل المراقبين أن وفد الحركة الشعبية بقيادة “ياسر عرمان” يتحدث في تناقض عجيب عن الحلول الشاملة لما يسميها القضايا الوطنية، وفي الوقت عينه يمد بصره إلى متعة صفقة ثنائية بينه والحكومة يطلب بعدها تكييف وضعه وفق فترة انتقالية، وهو ما يعني حفظ حصة معتبرة من السلطة وضروب النفوذ الأخرى إلى ما قبل وما بعد مخرجات آلية الحوار الوطني.. وواضح أن الحركة الشعبية والجهات التي تدعمها في هذا الموقف تدرك أن موقفها أضعف من أن تجد قبولاً في أي ترتيبات لاحقة بموجب تسوية سياسية تشمل كل القوى والأطراف أو بموجب خيارات الناخبين.. وصدق الأستاذ “محمد محمد خير” شفاه الله وعافاه حينما قال إن رفض بعض القوى لأي ترتيبات ضمن الوفاق والحوار الوطني إنما مردها أن تلك القوى ليست قوى انتخابية، وقد صدق، فلا الحركة الشعبية قطاع الشمال أو الجبهة الثورية بفصائلها مجتمعة يمكن أن تحقق نصراً عبر صناديق الانتخابات.
البروفيسور “إبراهيم غندور” الذي رفض بحسم وحزم أي اتجاه للحديث عن شراكة سياسية مع الحركة الشعبية على غرار تجربة نسخة شراكة ما بعد (نيفاشا)، وتلك كانت لها أسبابها الموضوعية لصالح تأهيل الحركة من أجل مواقف إيجابية لصالح استقرار البلاد مع شريك أتى بموجب اتفاقية سلام إقليمية، بل دولية، ولصالح دعم خيارات الوحدة والاستقرار السياسي والأمني في حينه وزمانه، لكن الآن الأوضاع تختلف، فمن ناحية معايرة الكسب السياسي إن اتجهنا للتفكير البراغماتي، لا أظن أن حكومة عاقلة قد تفرط في أحزاب وقيادات بقامة السيد “الصادق المهدي” والدكتور “الترابي” ومولانا “محمد عثمان الميرغني” والقواعد التي خلفهم بثقلها، بمقابلة جماعة “ياسر عرمان”، الذين هم آخر الأمر ستة أو ستون شخصاً لا يستقيم لهم عود الاستقرار إلا للانشقاقات والتآكل، إذ ما أقبح حماقات المناضلين حينما يستوون في صف الحكم.
وإني لأتعجب حقيقة من مواقف “عرمان” الذي يتحدث عن الشراكة السياسية مع وحدة ثم في الفقرة التي تليها يصدع أسماع الحاضرين ورؤوسهم بهراء القضايا الشاملة، وهو عنوان عريض لاعتساف في الطرح والتداول إن انفتحت بواباته فسيدخل الرجل ببوابات القوانين ويتمدد إلى مساحات الأوامر المحلية للمحليات، ويذهب إلى لائحة تنظيم الدوري الممتاز ويعرج على السلم التعليمي، ويتصل جهده إلى تنظير في الصحافة وقانون الأمن الذي سكت عنه حينما كان ثاوياً في خيام “باقان أموم” وينوح منه الآن، وجماع تلك الموضوعات مكانها صدق أم كذب ترتيبات وآليات الحوار بالداخل، ولكن ما بصدده الناس في أديس أبابا قضايا النيل الأزرق وجنوب كردفان، والمنطقتان لا تردان في ذكره أو حديثه إلا للحظات عابرة.. والغريب أن من يحيطون بالرجل من مساعديه من أبناء المنطقتين ينظرون إليه ولا يحركون ساكناً، بل يدعمون هذا التهريج الذي يدير به قضية مساكين في القرى والجبال لا يعينهم قطعاً شيء من ذاك الجدل الفلسفي العقيم عن الحريات المدنية ومرجعيات الدساتير.
إننا حقيقة الأمر أمام انتهازي سياسي بغيض.. لقد بت أكثر قناعة أن “عرمان” هذا حالة مستعصية من حب الذات والحرص على الدنيا، ولم أعد في شك بأن مواقف بعض التيارات الوطنية والإسلامية تجاهه صحيحة.. وشخصياً، ومنذ الساعة وبعد ما رأيت من تهريج وانصرافية وعجرفة وتلذذ باستعباد أنصاره ومساعديه فإني ضد هذه الظاهرة، ولا أكون مبالغاً إن زعمت أن كثيراً من سوء ما وقع بين الحكومة والحركة الشعبية عقب اتفاقية السلام كان السبب فيه هذا الرجل، الذي صار علامة للخراب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية