تصريحات "يوسف حسين"
قال الأستاذ “يوسف حسين” الناطق الرسمي باسم (الحزب الشيوعي)، إنه لن يدخل في حوار مع الحكومة إلا لتفكيك النظام، وإن لم أكن أعرف الأستاذ “يوسف حسين”، لظننت أن هذا التصريح مدسوس عليه، فالرجل يتميز بأنه قليل التصريحات ولا يتحدث إلا في الأمور الجادة، وإذا أدلى برأي فإنه يكون مدروساً، لهذا لم أصدق وأنا أقرأ هذا التصريح الذي لا يدلي به إلا من هم في سن المراهقة السياسية، الذين يبحثون عن التصفيق في كل مكان، أو لديهم التزامات تجاه جهات خارجية يريدون الحفاظ عليها، والأستاذ “يوسف” بعيد عن كل هذا.
لقد سبق وأن حاورته في وقت كان الناس يهربون فيه من كل ما هو شيوعي أو حتى يساري، واستمر الحوار بيننا لساعات لأن الرجل مشحون بأفكار ويستطيع المجادلة لساعات.
تحدثت معه في كل شيء حول النظرية الماركسية وعدم مواءمتها لظروف السودان ووافقنا على كل ذلك، وأذكر أنه قام لـ(صلاة العصر) عند وقت الصلاة، وكان الرجل في عباراته هادئاً مهما احتد النقاش بيننا، وقلت في نفسي هذه هي نوعية السياسيين التي نحلم بها، ولكل هذا استغربت أن يصدر هذا التصريح المتطرف من الرجل الذي أراه من عقلاء السياسيين ولا يهتم بلفت الأنظار إليه ولم يشكك في أحد زملائه.
قال إن شرطهم الأول والأخير تفكيك نظام الإنقاذ حتى يدخل في حوار معه، وأقول له كيف تدخل مع نظام دعوت لتفكيكه، ما هو الحوار الذي ستديره مع الجانب الفارغ من المائدة. إن الحوار في معناه جدل بين اثنين أو ثلاثة، لماذا تريده جدلاً مع فراغ؟ لماذا لا تقنعهم بأنك أفضل منهم، وأن النظام الذي وضعته أفضل من نظامهم، لقد كان الشيوعيون في الستينيات والسبعينيات يراهنون على أن نظامهم سيقود العالم، وأنه سيطر على الريف والمدينة ويتحدون بقية الأحزاب.
لقد قال السيد “حسين” إن أدنى المطالب هي تفكيك الإنقاذ ولا أدري إلى أي شيء استند؟.
عندما خرجت الجماهير إلى الشارع في يوم من أيام 1971م مطالبة بحل (الحزب الشيوعي) كانت تعرف أنها تستند إلى قوى حقيقية، وأن القوى الإسلامية هي الغالبية، فعلى أي شيء يستند “يوسف حسين”؟ هل يريد أن يقول لنا إن السودانيين ليس لديهم نفس الحماس للإسلام، وهو العقيدة التي استمرت لأكثر من ألف عام، وأن أتباعها في كل القارات، ولم يحدث أن دخلت في صراع فكري مع أية عقيدة أخرى إلا وانتصرت حتى صارت الدوائر الكنسية تدرس كيفية مقاومة هذا الدين القوي الحجة ولا تعرف السر في قوة الإيمان به رغم معاناة المسلمين وفقرهم. لماذا يصر الشيوعيون على أنهم ضد كل شيء إسلامي؟! لماذا يريدون معاداة (90%) من الشعب السوداني وهم طوال حياتهم تجنبوا ذلك؟ ماذا يستفيدون من تصفيق يستمر خمس أو عشر دقائق ثم يعود كل شيء إلى ما كان، ويعود (الحزب الشيوعي) ذلك الحزب الصغير المعزول الذي لا يتعاطف معه أحد؟ ولماذا يضع الشيوعيون أنفسهم في مواجهة تيار كاسح كالتيار الإسلامي.. ألم يتعظوا بما حدث لغيرهم؟! إن “الصين الشعبية” لم تمس العقيدة الإسلامية لأنها تعلم أن هذا الدين أتباعه يتمسكون به وهم لن يستمعوا إليك إذا لم تظهر احترامك له، حتى (البوذية) التي إذا لم تظهر احترامك لها ربما ضربت ضرباً مبرحاً، فإذا كان هذا الحال مع دين غير سماوي فكيف يكون الحال مع دين سماوي؟. أتوقع أن يصدر الأستاذ “يوسف حسين” بياناً ينفي فيه كل ما جاء على لسانه لأنه أعقل من أن يقول ذلك وهو السياسي الذي عاش في ذروة هيمنة الإسلاميين على السلطة ولم يصطدم به بل ظل حزبه مُعلقاً لافتة على بوابته، ويمارس حزبه نشاطه فحافظ على كيان الحزب وبقائه حتى وصل إلى المرحلة التي يطالب فيها الآن بتفكيك الإنقاذ. لقد كان الأستاذ “يوسف” صامتاً طوال السنوات الماضية لأنه لا يريد أن يدخل في صدام مع الدولة وأجهزتها.. ماذا جدّ الآن؟ هل عليه ضغوط من جهات خارجية؟ وإذا كانت عليه ضغوط أين ذهبت عقلانيته؟ ألا يعرف أن الصدام الآن لا يعني إلا (الانتحار)، أتمنى أن يصدر السيد “يوسف” بياناً عاجلاً ينفي فيه صلته بهذا التصريح، لتعود الأمور لطبيعتها ويستمر المسار الديمقراطي طبيعياً، إلا إذا كانوا خائفين من هذا المسار الديمقراطي.