تقارير

استقالة «الزبير بشير».. مغادرة (وال) عفيف اليدين.. قليل الإنجاز !

ما زال المتابعون للمشهد السياسي يتذكرون المرسوم الجمهوري الذي أصدره الرئيس «عمر البشير» في العام 2008م وأقال فيه عدداً من الولاة والوزراء، كان ضمنهم الفريق «عبد الرحمن سر الختم» من منصبه كوالٍ لولاية الجزيرة وعين البروفيسور «الزبير بشير طه» خلفاً له، بعد أن شهدت كثير من مرافق الولاية تدهوراً كبيراً.
ويعدّ «الزبير بشير طه» من الشخصيات الأكاديمية التي انتمت إلى الحركة الإسلامية في وقت مبكر، وعرف باهتماماته الأكاديمية التي ارتبطت بمجال علم النفس، بجانب الدراسات والمشاركات الأكاديمية والعلمية الأخرى.. في بداية الإنقاذ شارك «الزبير» في إعداد كتاب ضمن سلسلة كتب أصدرها المركز القومي للإنتاج الإعلامي آنذاك عُرفت بسلسلة مشروع البعث الحضاري في إطار التأطير لفكرة الدولة.. وعُرف بزهده وحبه للجهاد، الأمر الذي كان يدفعه إلى المشاركة في المتحركات التي انطلقت نحو الجنوب حينما كان قرار السلطة حينها أن البندقية ستحسم التمرد، ورفعوا رايات الجهاد فانضم إلى الركب عدد من المسؤولين والأكاديميين، وكان ضمنهم بروفيسور «الزبير بشير» الذي ساح في أرض الجنوب بعيداً عن مواقع العلم والتنظيم حتى قيل ذات مرة إنه تاه في أدغال الجنوب قبل أن تصادفه القوة مرة أخرى، في وقت كان رأي كثير من عضوية التنظيم أن وجوده في جامعة الخرطوم يتناسب مع طبيعة تركيبته الأكاديمية رغم سخونة الأحداث التي تندلع أحياناً.. أما وزارة العلوم والتقانة التي شغلها في وقت مضى فكانت تتوافق مع طبيعة تخصصاته، إلا أن السياسة دعت تنظيمه إلى الدفع به إلى مواقع ووزارات بعيدة عن مزاجه الأكاديمي والنفسي، مثلما كان الحال بالنسبة لوزارة الداخلية التي كانت تتطلب شخصية ذات خبرات أمنية.. ورغم ذلك شغل «الزبير» منصب وزير الداخلية في وقت تم فيه التوقيع على اتفاقية السلام بين الحكومة والحركة الشعبية، وربما كان الاختيار مقصوداً لمعرفته بالجنوب أثناء مشاركاته في المعارك ضمن قوات الدفاع الشعبي أوائل التسعينيات، وربما كانت التجربة تحتاج إلى وزير يستطيع السيطرة على الأوضاع الأمنية ويتعامل مع هذه الشراكة الشائكة بوعي أمني وعسكري، إلا أن «الزبير» حسب كثير من المراقبين فشل في هذه المهمة، بل أدى وجوده إلى توتر العلاقة بين وزارة الداخلية وقيادات الحركة الشعبية في تلك الفترة إلى درجة جعلت بعضهم يتحدث عن أن الإرهاب يدير الداخلية.. بعدها أدرك حزبه عدم التوافق بينه ومنصب وزير الداخلية، ولهذا السبب تم اختياره لمنصب والي ولاية الجزيرة مسقط رأسه، وقد يكون تعيينه جاء في هذا السياق عندما اتجهت السلطة إلى اختيار الولاة من أبناء المنطقة في إطار سياسة المحاصصة التي ثبت عدم نجاعتها، وولايات دارفور مثالاً.
بعد انتخابه ارتفع سقف تطلعات أبناء الولاية من الناحية التنموية وعينهم على مشروع الجزيرة، وتقديم الخدمات لإعادة ترميم العلاقة بين السلطة والمواطن، والسلطة وأهل الولاءات السياسية، خاصة أن هناك من يعتقد أن الجزيرة منذ بداية الإنقاذ وحتى الآن لم تحظ بوالٍ مقتدر استطاع النهوض بها.
من جانبه أرجع الدكتور والكاتب المعروف «عبد اللطيف البوني» ما يحدث في ولاية الجزيرة إلى وجود صراعات داخل الحزب الحاكم ظهرت منذ فترة طويلة أدت إلى تعطيل أداء البروفيسور «الزبير» والذي سبقه، في إشارة إلى «عبد الرحمن سر الختم»، وقال: (لهذا السبب ظهرت المطالبات بإقالة الوالي منذ فترة، وبمرور الزمن تشكلت شلليات داخل الحزب كان أطرافها المستقطبون والقدامى، بينما ظل سكان الولاية يتفرجون غير مهتمين بهذا الصراع)، موضحاً أنه ووسط هذا الجو استعر صراع المصالح لا سيما أن هناك من لديه قابلية للوقوف إلى جانب السلطة، وهناك فئة كانت ضد الوالي السابق، لذلك كان اختيار الوالي- ويقصد «الزبير»- للمسؤولين مؤسساً على الولاء الشخصي، ولم يُعط فرصة لاختيار أشخاص أكفاء، وأكد أن مشكلة الجزيرة تكمن في التربة السياسية، مضيفاً إنه إذا لم تكن هناك خطة إصلاح للبيئة السياسية في الجزيرة فلن ينصلح الحال، ولن يستطيع الوالي القادم فعل شيء.. هناك من اتفق مع «البوني» وقال: (ما لم يأت والٍ يستطيع حسم التدهور الذي أصاب مشروع الجزيرة فلن تستقر الأوضاع في الجزيرة).
وبالعودة إلى «الزبير» الذي تقدم باستقالته إثر ضغوط مورست عليه من قيادته، يعتقد بعض أبناء الجزيرة أن «الزبير بشير طه» خيَّب أمل أهله باستمراره في الزهد وارتباطه بالمشاركة في متحركات الدفاع الشعبي، حتى اعتاد الناس خلعه للباسه الرسمي وارتداءه البزة العسكرية كلما أعلنت السلطة عن احتلال منطقة أو هجوم على مواقع إستراتيجية، كما كان الحال أيام الهجوم على (أبو كرشولا) في العام 2013م، حيث كان الوالي يتقدم الصفوف ولم يعد إلا بعد تحريرها رغم صعوبة الأوضاع التي تعيشها ولاية الجزيرة.. هذا المسلك قاد إلى استياء بعض المواطنين في الولاية، ومن ثم السؤال: إذا كان هذا الوالي يريد أن يكون مجاهداً لماذا لا يتفرغ لهذا الأمر ويجعل إدارة أمور الولاية إلى شخص آخر؟ وهل الجهاد محصور في القتال؟ أليست خدمة المواطنين ورعاية شأنهم جهاداً؟؟
زهد الوالي، وربما غيابه عن الولاية، جعلها تشهد صراعات سياسية غير مسبوقة بين أبناء الحزب الواحد، وأصبح متهماً من قبل بعضهم بأنه يتعمد تهميش أبناء المناقل، وحسب بعض الحاضرين لتفاصيل الصراع فإن الوالي قام بتقسيم المناقل إلى محليتين في محاولة لإضعاف دور أولاد المناقل، بجانب محاولته إضعاف سلطات ونفوذ بعض قياداتها وتجريدهم من السلطات في الحزب وحكومة الولاية.. وبالرغم من أنه مشهود له بالطهارة، لكن قيل إن اختياره لقيادات ضعيفة أدى إلى تجاوزات في بعض مؤسسات ولايته.
على ذات الصعيد، يعدّه كثير من المختصين قد فشل في مجال التنمية والسياسة، فيما يعدّه آخرون تبني موقفاً قوياً حيال ولائية مشروع الجزيرة عندما وقف ضد رغبة وزارة الزراعة الاتحادية التي رأت قومية المشروع، بجانب وقوفه ضد قانون 2005م مسانداً لمزارعي ولاية الجزيرة.
ولد «الزبير بشير طه نصر» بجزيرة الفيل ولاية الجزيرة.. تلقى تعليمه قبل المدرسي والابتدائي بجزيرة الفيل والمتوسط والثانوي بمدينة ود مدني.. تخرج في جامعة (الخرطوم) عام 1972م.. نال درجة الماجستير من جامعة (بيرمنجهام) 1976م، ونال ماجستيراً في علم النفس بجامعة (برانتون) عام 1978م، كما نال درجة الدكتوراه في العلوم من جامعة (شيفيلد) عام 1981م.
عمل من قبل أستاذاً بجامعة (الخرطوم) من 1972م حتى 1999م، ورئيساً لقسم علم النفس من 1984 حتى 1988م.
كما عمل باللجنة التنفيذية كلية التربية بالإمارات العربية المتحدة، ومعيداً بكلية علم النفس في جامعة (شيفيلد)، ومديراً لجامعة الخرطوم في الفترة من 1999 حتى 2000م، شغل منصب وزير التعليم العالي في الفترة من 2000 حتى 2001م، ووزيراً للعلوم والتقانة في الفترة من 2001 حتى 2005م، ثم وزيراً للداخلية من عام 2005 حتى 2007م، ونقل بعدها إلى وزارة الزراعة التي أمضى فيها عاماً واحداً 2007 – 2008م
شارك بروفيسور «الزبير بشير طه نصر» في عدد من الأنشطة الأكاديمية والعلمية داخل وخارج السودان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية