المشهد السياسي

هل هي الحل يا جماعة..؟

في عموده (حديث المدينة) بالأحد في صحيفة (اليوم التالي) رمى الأستاذ “عثمان ميرغني” بمقولته: (اليوم قبل الغد يجب الشروع في تكوين قوى سبتمبر.. على اسم الانتفاضة الشعبية التي صنعها الشعب) بنفسه في سبتمبر الماضي – 2013م، ودفع مهرها مائتي قتيل.. انطلقوا لفرض أجندة الشعب– يقول “عثمان”– لا (الشعبي.!) أجندة الوطن لا (الوطني..!) ولا تضيعوا الوقت..!) وهذه الفقرة الأخيرة في ما قال الكاتب لا غبار عليها ولا اعتراض.
غير أن إلى ما حدث في 27 سبتمبر من العام الماضي، وهو ما لا يبدو فكر أو فلسفة الأحزاب التي كانت لها قبل أيام ليالٍ سياسية في الخرطوم بحري وأم درمان وأشادت فيها بالمبادرة الرسمية التي أفضت إلى ذلك وبسماحة الشرطة ولطافتها وهي تسمح بتلك الليالي السياسية وترعاها.. مما كان يشي بأن (درب السلامة) هو الذي يقود إلى حرية التعبير والديمقراطية وليس ما سواه.. وبخاصة عمليات وتظاهرات سبتمبر الهمجية التي لم تكن في حسبان وواقع الثقافة والممارسة السياسية السودانية.
فقد شملت تلك التظاهرات والأعمال إغلاق شوارع المرور وتدمير الإشارات المنظمة له بما فيها تلك الإلكترونية، وقد كانت ثقافة مرورية جديدة.. ثم قصف زجاج السيارات وأصحابها بالحجارة.. وإحراق (اللساتك) ورمي القمامة والحجارة على قارعة الطريق، وفي ذلك اعتداء على الحق العام الذي لم يعرف مثله أو يشهده وطننا السودان كما قلت.
ولم يقف أمر ذلك عند ذلك فحسب، وإنما كان حرق العشرات من طلمبات البنزين والوقود وحرق العربات والبصات الخاصة والصيدليات وفروع المصارف والصرافات الآلية ومحطات الكهرباء والمحال التجارية الخاصة وغيرها، مما أفقد الكثيرين رؤوس أموالهم وممتلكاتهم!!
وقد كان لذلك أثره على المواطن والأمن العام، لاسيما وأن الاعتداء على الأرواح والحريات والحقوق العامة كان في قمته أيضاً، فقد ذهبت أرواح المئات جراء ذلك.. إلا أنه– والحمد لله– عادت الأمور إلى نصابها بفضل جهود رجال الشرطة والأمن والمواطنين الذين شقوا بتلك التجربة وعانوا منها.
وسياسياً أدينت العملية من كل الأحزاب والجماعات والمنظمات تقريباً، إذ إنها كانت تشبه إلى حد كبير نشاط (الجبهة الثورية) بقيادة “الحلو” قبل ذلك في (الله كريم) و(أبو كرشولا) بجنوب كردفان و(أم روابة) في شمالها الذي أهدر فيه الكثير من الأرواح والخدمات والممتلكات.
الحزب الشيوعي السوداني وحده يومها الذي كان له رأي مغاير في ما حدث في سبتمبر– أيلول من العام الماضي (2013)، ذلك أن سكرتيره العام “الخطيب” قد قال في حوار أجرته معه الزميلة “لينا يعقوب” بصحيفة (السوداني) بتاريخ 3 أكتوبر 2013م، أي بعد أسبوع واحد من الأحداث المشار إليها، التي يدعو إلى إعادتها الأستاذ “عثمان ميرغني” صاحب عمود (حديث المدينة)..!!
في ذلك الحوار الصحفي قال المهندس “الخطيب”:
الجماهير التي خرجت هي جماهيرنا، فالعمل النضالي- هكذا قال- (عمل تراكمي) يتحول من جانب (سلمي) إلى (نوعي) وإلى ثورة وتغيير فعلينا (إسقاط النظام..!).. العبارة التي ما تزال شعاراً مرفوعاً يتغنى به رموز الحزب الشيوعي والناطقون باسمه – ويكرره علينا ويدعو له الآن أخونا الأستاذ “عثمان ميرغني” في عموده (حديث المدينة) بالأمس – الأحد 20 أبريل 2014م.
الكاتب المقروء “عثمان ميرغني” شقيق الشهيد “عبد الله ميرغني” الذي استشهد عند مطار الخرطوم في عملية 1976م، التي أطلقت عليها السلطة المايوية يومئذ (عملية المرتزقة..!) وهو عنصر إسلامي بارز ومجاهد، ليست لديه ثقة في مشروع الحوار الوطني المطروح الذي التف حوله الكثير من الأحزاب والجماعات والنخب. ذلك أنه عند “عثمان” (مضيعة) للوقت، والحل عنده في نهاية المطاف:
} يجب الشروع في تكوين قوى سبتمبر.. على اسم الانتفاضة
التي صنعها الشعب بنفسه في سبتمبر الماضي 2013م.
أو البدء في إعادة صناعة وإنتاج تلك (المهزلة) التي ذكرنا بعض نماذجها ومخرجاتها في مقدمة هذا (المشهد السياسي).. والأستاذ “عثمان” في إطار حرية التعبير والرأي حر في الذي يقول ويطرح، إلا أن ذلك لا يمنع التصدي له والرد عليه بالمنطق وبما نحسب أنه ينفع الناس ويجنبهم الخسائر التي تعرضوا لها في السابع والعشرين من سبتمبر– أيلول من العام الماضي، والتي يحتفي بها الأستاذ “عثمان” الآن، ويحسب أن المخرج فيها وليس في مشروع الحوار الوطني الذي يراه (هدراً) للوقت وغير منتج أو ذي مردود وعائد.
وعند هذا المنعطف يكون الأستاذ “عثمان ميرغني” على توافق تام مع أطروحات المعارضة اليسارية والجبهة الثورية التي يختلف معها في الأسلوب.. فهي تحمل السلاح على الحدود وهو يحمل القلم وينطق باللسان في الداخل، إلا أنها وهي تدعو إلى فضح مخططات النظام وشركائه الرامية للاصطفاف على (أساس ديني) وهو ما ذكرته الوثيقة التي صدرت عن اجتماع الحركة الشعبية (قطاع الشمال) الأخير في 31/3 و3/4/2014م.. يقول في عموده (حديث المدينة) بـ(اليوم التالي) الأحد الماضي 20 أبريل 2014م.
} انطلقوا لفرض أجندة الشعب لا (الشعبي)..!
} وأجندة الوطن لا (الوطني)..!
المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني، عرفا بأنهما من ذوي التوجه الإسلامي وغير العلماني، الذي تدعو إليه الحركة الشعبية والحزب الشيوعي وجماعة الأستاذ “أبو عيسى” التي تعرف (بقوى الإجماع الوطني) وغيرهم.
ورغم هذا كله، وهو يخص الأستاذ “عثمان”، فإن الدعوة إلى إعادة إنتاج أسلوب السابع والعشرين من سبتمبر– العام الماضي هو الذي يثير القلق، ويجعل القلم يتحرك في الاتجاه الآخر الرافض لما جرى في سبتمبر الذي لم يكن فيه خير أو مصلحة للمواطن السوداني.
ومن ثم أتصور وأرى أن النقابات والنخب وعامة القوى المؤثرة في المجتمع لن تستجيب لمثل تلك الدعوات، وهي التي على علم بما جرى في سبتمبر 2013م، لاسيما وأن الدعوة إليه تناقض التوجه الديمقراطي الذي اتسعت مساحته الآن وربما زادت في المستقبل القريب، والحديث يجري عن ترجمة الحوار الوطني المطروح إلى آلية عمل.
في حكمنا وتجاربنا العربية يقولون: (رب ضارة نافعة)، وما قال صاحب عمود (حديث المدينة) في عموده أشبه بذلك، حيث أثار اهتماماً، وربما أثار اهتمام آخرين، لأن أحداث سبتمبر (السودانية) كانت نقطة سوداء في الممارسة السياسية السودانية.. فهل هي الحل يا جماعة؟! والله خير حافظاً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية