(المجهر) في حوار لا تنقصه الصراحة مع نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي "عبد الله حسن أحمد" حول الحوار الوطني (2-2)
فترت العلاقات بين المؤتمرين الوطني والشعبي منذ المفاصلة التي حدثت في عام 1999م، وأصبح الحوار بينهما مقطوعاً، وزج بالعديد من قيادات المؤتمر الشعبي في السجون، وكان الحوار بينهما خطاً أحمر، ولم يقترب الطرفان من الحوار رغم قبول المؤتمر الوطني الحوار مع كل الأحزاب السياسية الأخرى، ولكن حدثت مستجدات في الساحة السياسية عندما طرح السيد رئيس الجمهورية الحوار مع الكل دون إقصاء لأحد. كما أصدرت العديد من القرارات التي كانت مطالب للقوى السياسية والأحزاب كإطلاق سراح الموقوفين، وإطلاق حرية الصحافة والرأي وإقامة الندوات السياسية بالدور والساحات.. حول هذه المتغيرات التقت (المجهر) في حوار شامل الأستاذ “عبد الله حسن أحمد”نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي، ولمعرفة أسباب موافقتهم ودخولهم في الحوار مع المؤتمر الوطني.. وما هي المتغيرات التي دفعتهم إلى ذلك.. وما هي أسباب تخوف حزب الأمة من تقارب المؤتمرين الوطني والشعبي.. وما هو مستقبل هذا الحوار.. ولماذا بقي المؤتمر الشعبي مع تجمع “فاروق أبو عيسى”.. وما هي الضمانات التي تؤدي إلى مشاركة الحركات المسلحة في هذا الحوار.. ولنترك القارئ مع الجزء الأول من حوارنا مع السيد “عبد الله حسن أحمد”.. فكيف جاءت إجاباته حول ما طرحنا عليه من أسئلة؟!
} ما الذي جعل المؤتمر الشعبي يوافق على الجلوس والتنسيق مع الحزب الشيوعي؟
– السبب أن تجربتنا السياسية تسير نحو النضوج.. صحيح في الماضي الشيوعي كان بالنسبة لنا (شيطاناً) ولا نتحدث معه، ولكن ممارستنا في الجامعات وخارجها جعلتنا نعدّه في النهاية سودانياً، وأحياناً له أفكار، وفيه متدينون ومن بيوت دينية كبيرة.. وبعد هذه التجارب معهم لم نقول (أرموهم البحر)، فالممارسة السياسية داخل الجامعات أدت إلى نضوج تجربتنا، ورغم الاختلاف معهم ففيما نختلف عليه نختلف وفيما نتفق عليه نتفق، وهم كذلك، فالشيوعيون كانوا يكرهوننا كراهية شديدة، وكانوا يعتقدون أن الأخ المسلم ينبغي ألا يُجلس معه، ولكن التجارب أنضجت الجميع.
} قيل إن هناك لجاناً ستشكل بغرض الحوار ولكن تطاول المدة لم يجعل البعض يتشكك؟
– صحيح التأخير مضر ويجعل البعض يتشكك، لكن نحن مقتنعون أن المؤتمر الوطني جاد في مسألة الحوار وهو المخرج الوحيد لمعظم أزمات البلاد، لأن أي نظام جديد سيكون فاعلاً.. والآن النظام صاحب أغلبية، وعندما ينتهي الحوار لن يكون صاحب أقلية، والأحزاب التي تشارك في الحوار معه كلها ذات مرجعيات دينية، الأمة والاتحادي الديمقراطي.
} كيف تنظر إلى تجربتكم الإسلامية.. هل أفقدت الناس الثقة في الحركات الإسلامية عندما تفشت ظاهرة الفساد؟
– ما حدث رجع بالتجربة الإسلامية إلى الوراء، فالتجربة الإسلامية كان بالإمكان أن تكون هادية للحركات التي حدثت في تونس وفي مصر وفي ليبيا، وكان بالإمكان أن تتعلم تلك الحركات من تجربتنا الإسلامية، لكن خلافاتنا لم تجعلها تتطور حتى نهديها للآخرين، فالحركة الإسلامية في تونس أحدثت كثيراً من التنازل حتى يصلوا إلى نظام حر.. والتجربة التونسية ناجحة جداً بخلاف التجربة المصرية.. وللأسف وصل الإخوان في مصر إلى رئاسة السلطة وبأغلبية كبيرة.. صحيح تكالبت عليهم القوى وتأمروا عليهم، ولكن كان بإمكانهم أن يتصرفوا كما تصرف الأخوة في تونس.
} وما حدث من فساد وسط منسوبي الحركة الإسلامية في السودان؟
– عندما كنا في الماضي معارضين، كنا متجردين ولم نقترب من الفساد وكنا بعيدين عن المال العام، ولكن عندما اقتربنا من المال العام بدأ (يدخل علينا)، ونقول هذا مال عام، وهذه طبيعة البشر يمكن أن يأكلوا المال العام ويأكلوا (الواطة).. ففي الماضي لم نجرب الاستثمارات ولم نجرب أخذ الأراضي، ولكن عندما جربنا سقطنا وخضعنا أمام المال.. والمال في الماضي كان عند بعض الأحزاب، فكنا نهاجمها ونقول (فلان منح كذا من الكوتات وكذا من المشاريع والأراضي.. وفلان منح صفقة تجارية)، وحتى إذا شاهدنا أحداً منهم يرتدي ثياباً جديدة نقول (فلان أخذ كذا).. ونحن الآن أصبحنا كما تلك الأحزاب.. سقطنا.. ونحن بشر.
} والاتجاه نحو النساء والارتباط باثنتين وثلاث؟
– (عندما تنفتح ليك متع الدنيا كل شيء ممكن)، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا.. فأنت صاحب سلطة، وتأتيك (البنات السمحات) من أجل الوظيفة وتراهن بجوارك.. (النفس البشرية حينما تضعف خلاص).
} وكيف تقوم التجربة من جديد؟
– أولاً بدراسة التجارب السابقة.. تضعها أمامك وتعالج مواضع الضعف، ونحاول تفادي كل الأخطاء السابقة إن كانت في المال أو غيره، ونقف عندها مع تشديد الرقابة.. الآن كل الفساد الذي يحدث ويتحدث عنه المراجع العام هو بسبب عدم وجود رقابة على المال، فإذا سددنا تلك الثغرة التي يتم من خلالها الصرف بدون وجه حق أو الصرف خارج الميزانية المصدقة نكون قد أوجدنا نظاماً نظيفاً في شكله العام يحاسب كل من أخطأ ويكافئ من نجح.
} لقد انفصل الجنوب في ظل تجربتكم.. فهل تظن أن التاريخ سيحاسبكم على ذلك؟
– كنا نتمتع بعلاقات مميزة مع الأخوة الجنوبيين، ولكن الحكومة لم يكن لها بعد نظر مستقبلي.. كانوا يقولون (ما ينفصل الجنوب إذا أراد الانفصال).. صحيح الجنوبيون كانوا مهيأين للانفصال تماماً، لذلك جاءت النسبة عالية جداً.. الآن وبعد تجربتهم أصبحوا غير قادرين على التعايش مع بعضهم البعض، (الشماليين كانوا حامنهم)، ولكن كل هذا لن يؤدي إلى الوحدة من جديد.. يمكن أن يطالبوا بالحكم الفيدرالي، ولكن بعد أن تذوقوا حلاوة الحكم وأصبحوا مواطنين من الدرجة الأولى لن يعودوا كما كانوا يقولون (مواطنين من الدرجة الثانية).
} ويقال أيضاً إن الدكتور “الترابي” لعب دوراً في إحداث عدم الاستقرار في دارفور؟
– دارفور إذا حدث فيها تصالح بين القبائل فلن تكون هناك مشكلة.. فدارفور مشكلتها عدم التنمية، فهي متخلفة وتحتاج إلى ضخ أموال كبيرة مع وجود كفاءات.. فإذا ما تمت المصالحات القبلية وتوفرت الأموال والكفاءات فمن السهل جداً أن تلحق دارفور بركب المناطق المتطورة في أجزاء كبيرة من السودان.. وفي اعتقادي أن دارفور مقدرتها في التنمية أكثر من الشمال.
} ألا يتحمل الدكتور “الترابي” ما حدث فيها؟
– آراء الدكتور “الترابي” واضحة جداً، فهو وحدوي مع الجنوب ومع دارفور، ولا أحد يستطيع وصف كلامه بأن فيه محاولة للانفصال أو تمييز عن بقية مناطق السودان، ولا أحد يستطيع أن يأخذ عليه شيئاً.
} وقع الخلاف بينكم والمؤتمر الوطني وأدى ذلك إلى المفاصلة ولكن السيناريو لم يكن واضحاً للجميع.. هل صحيح الدكتور “الترابي” كان مهيمناً على كل شيء وهذا أدى إلى المفاصلة؟
– منذ فترة أصبح هناك فريقان بسبب الخلاف الذي دبّ، ولكن وضح التمايز بين الفريقين، وأخيراً حدث استقطاب نتيجة للسلطة، والدكتور “الترابي” لم يتولَ أي منصب تنفيذي، ونأى بنفسه عن ذلك رغم أن المنصب التنفيذي كان مهماً.
} كيف جرى السيناريو حتى المفاصلة؟
– أذكر أننا كنا في اجتماع الهيئة القيادية، وأثناء النقاش أخذ الدكتور “غازي” فرصة من الرئيس وبدأ يتلو مذكرة، فاعترضت بعد أن أخذت الأذن من الرئيس، وقلت له: (نحن بناقش في موضوع وبالإمكان إدراج تلك المذكرة في آخر الأجندة)، لكن لم يستجب لرأيي وواصل “غازي” حديثه، فاعترض “إبراهيم السنوسي” عليها أيضاً، ولكن لم يجد الاهتمام، ومن بعد ذلك جاءت المذكرة محمولة في (كراتين) ووزعت على الجميع.
} هل مذكرة العشرة كانت سبب المفاصلة؟
– نعم.
} هل كان الرئيس على علم بها؟
– نعم.
} إذن المفاصلة كانت بسبب السلطة؟
– هذه حقيقة، لأن (الكيمان اتفرزت).
} ألم تكن هيمنة “الترابي” على كل شيء هي السبب؟
– “الترابي” رأيه كان مؤثراً، ولكن آلية الحكم كلها كانت بيد “البشير”، وآلية السلطة في النهاية هي التي تؤثر في القرارات، لذلك أصبح (الكوم الكبير) بالجانب الآخر.. إخواننا كانوا معنا، أصبحوا وزراء ومعتمدين، لذلك آثروا الانحياز إلى جانب السلطة، وأصبح هناك (كوم سلطة) و(كوم غير سلطة).
} لكن أنت كنت وزيراً؟
– نعم أنا كنت وزير رئاسة مجلس الوزراء، ورغم ذلك انحزت للطرف الآخر، ومواقفي كانت واضحة، والرئيس يعلم ذلك، وأحياناً يكون رأيي بخلاف رأي الرئيس، وهو يحترم ذلك.
} هل زار الرئيس “الترابي” في منزله بعد مذكرة العشرة؟
– وارد.. فالزيارات واللقاءات لم تنقطع.. و”الترابي” كان مصراً على الإبقاء على شعرة معاوية رغم أن الحكاية كانت صعبة عليه، لكنه حاول المحافظة على تلك الشعرة.
} الآن نستطيع القول (عفا الله عما سلف)؟
– نعم عفا الله عما سلف.. (ونحن أولاد الليلة).