أخبار

قدر ظروفك

مانشيتات عريضة واحتفاء كبير لازم تصريحات القائم بالأعمال الأمريكي في السودان “كرستوفر وان”، الذي أعلن من الفاشر دعم بلاده لمبادرة الرئيس “عمر البشير” للحوار الوطني، وعبر عن أمله في أن تسهم في حل القضايا السياسية وخاصة دارفور. ومن حيث حسن النوايا والإيجابية فإن تصريحات الدبلوماسي الأمريكي طيبة بلا شك، ولكنها في تقديري لا تخرج عن إطار حديث العلاقات العامة ومنهج (أرضهم ما دمت بأرضهم)، لأن لواشنطن قدرات أكبر على حمل الرافضين على الحوار إلى مائدته، ولها تأثير على حملة السلاح غير منكور. وهي تقريباً الدولة الوحيدة في العالم التي تنطق بالثناء والمدح للمتمردين من كل الفصائل وعلناً، مقارنة بدوائر أوربية وعربية وأفريقية أخرى قد تدعم وتؤيد لكنها تفعل ذلك بلطف.
تصريح (السفارة الأمريكية) كان يستحق لو أن القائل بدعم “واشنطن” للمبادرة، كان الناطق باسم البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية هناك، لأن السكرتير الصحفي للبيت الأبيض هو الناطق الرسمي باسم الرئاسة الأمريكية، وهو الذي يعبر عن ردود فعل الإدارة الأمريكية على مجريات الأحداث في الدول الأخرى، وله إيجاز صحفي يومي (يشرق ويغرب) فيه. وكان يمكن له أن يقول ذات قول بعثته وممثل بلاده بالخرطوم، وسيكون التقييم حينها لصدقية دعم “واشنطن” لمبادرة “البشير” أثقل وصك يصرف دبلوماسياً وإعلامياً.
قبل ثلاثة أعوام ومع تصاعد الأحداث والحراك السياسي باليمن الشقيق، كان تعامل الإدارة الأمريكية في تحديد مواقفها وإعلانها من ذاك، عبر بيانات مباشرة يصدرها مستشار البيت الأبيض “جون برينان” يومها. وصحيح أنه كانت للسفير الأمريكي بصنعاء “جيرالد فايرستاين” أدوار شهيرة ومعلومة في ترتيبات الحوار الوطني باليمن، لحد قوله إنه فكرة أمريكية تم إدراجها كفقرات خلال فترة التفاوض على المبادرة الخليجية، إلا أن الموقف الرسمي لحكومته كان يعلن من البيت الأبيض، وهو عين ما كنت أرجو أن نتنبه له حتى لا نؤسس لقاعدة (الخفة)، حينما يتحول أي موظف دبلوماسي وقنصل ببلادنا إلى نجم، لمجرد أنه طيب خواطر إعلامنا المتعطش فيما يبدو. وربما الحكومة نفسها إلى كلمة ثناء من أمريكا ولو كان القائل (قائم) بالأعمال ولم يبلغ درجة السفير المقيم !
“كرستوفر وان” يشكر على تصريحه والله حسيب نواياه، ولكن السودان لا يحتاج منه أو من طاقمه إلى تصريحات من شاكلة (قدر ظروفك)، ولو أن بلاده حقاً جادة ومعنية وتأبه باستقرار السودان ودعم فرص الحوار والسلام فيه، فعليها اتخاذ مواقف أكثر عمقاً من مجرد تصريحات المجاملات هذه، عليها بعمل كثير مؤثر وفاعل فهي تحاصرنا اقتصادياً وتمنع عنا حتى تطبيقات برامج الحاسوب، وتضعنا على قوائم الدول الإرهابية رغم أنها تشطب (على كيفها) وكيف مصلحتها، وتلعننا من منابر البيت الأبيض ووزارة الخارجية ويطاردنا موفدوها في مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، والحمد لله أنهم في (الفيفا) بلا ناقة أو جمل وإلا لطالنا شرهم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية