الهلال الانصرافي !
اصطنع نادي الهلال العاصمي أزمة من العدم فجرها مع الاتحاد العام لكرة القدم السوداني بعد عقوبات الأخير على النادي الجماهيري والقمة، جزاءً على ما اعتبره اتحاد الكرة سلوكاً شائناً وعنيفاً في مباراة الهلال والأهلي شندي، اتهم وأدين بها الجمهور الأزرق بواقعة الاعتداء على الحكم المساعد في المباراة التي خسرها لعباً ونتيجة، ولم تكن قط هزيمة بفعل فاعل كما يزعمون. فقد أدى الشنداوية مباراة عظيمة وكسبوا انتصاراً مستحقاً بلا (شق أو طق) وفوق مستوى الشبهات تماماً، فوز صريح صحيح وهزيمة مستحقة لأبناء “عطا المنان”.
الهلال كنادٍ مؤثر ورائد وركن من أركان استقرار البلاد كنت لأربأ بمجلس تسييره وفيه رجال ثقاة من أهل الوعي والتجربة والفهم السياسي، الانجرار إلى هذا الموقف الانصرافي وفي ظل ظروف البلاد الحالية والأجواء الايجابية التي تتطلب من كل المؤسسات والدوائر إعلاء مؤشرات الاستقرار ودعم مظان التماسك، فمع اتجاه الكل نحو الحوار وتجاوز ساعات التجاذب والعنف المادي والمعنوي، كان حقيق بالهلال أن يلعب دوره برسالة الرياضة والتي تتكامل شأنها شأن محاور أخرى لدعم الحراك السياسي الحالي، في انتقاله بكل الفرقاء من خانة التشرذم لصالح الوفاء الوطني الشامل.
ليس من المصلحة في شيء أن تخلق أزمة بهذا الزخم في هذا التوقيت لتحدث إشكالات وجلبة وتطورات تتلاحق، لتتسبب في وضع متوتر في وسط قطاع وجمهور هو الأكثر والغالبية. والهلال ومن حيث لا يدري صنع حدثاً وحدثاً سالباً ضرب به حالة التركيز على ما هو أهم، فبينما تجتهد الحكومة ودوائرها التنفيذية والسياسية لبث أجواء التطمينات، ويقوم الإعلام بواجبه في إسناد التطورات الجديدة، يفسد فريق بهذه المكانة وبقيادة ذات خبرات سياسية لا تنكر حالة الانسجام المتصاعدة، بعراك ومعركة حول هدف منقوض أو مباراة نقلت من “الخرطوم” إلى “الكاملين”، وليست “أدلب” أو ريفي دمشق !
الآن تزاحم أخبار أزمة الدوري الممتاز تفاصيل ومتابعات الحوار الوطني، وانفتح الرأي العام للجمهور على قضية أخرى رغم انصرافيتها، ستحظى بالسواد الأعظم من المتابعين والمتأثرين لطبيعة الولاءات في الوسط الرياضي، وشدة عصبية الانتماء فيه الذي هو أقوى من الولاءات السياسية، التي صدق الدكتور “الترابي” حينما قال إنها ضعفت أو تلاشت بين السودانيين. والقضية التي بدأت الآن كشأن خاص بالــ(الهلال) ستجر منذ اليوم (المريخ) وسيدخل الحلبة آخرون، وكلهم أمم من أمثال السياسيين وأحزابهم، بل هم أشد فظاظة وضراوة في مثل هذه (العراكات) والتي لا تنتهي ولن تنتهي. ولو أن مجلس إدارة تسيير النادي الأكبر صبر لوجد مئة توقيت في ظروف أخرى مواتية للشجارات البائسة، لشن حربه على “معتصم جعفر” ورفاقه.
سينجح النادي الكبير في صرف أنظار الناس عن مشروع حوار “البشير” السياسي لصالح جدل “البشير”الرياضي، وهو ما فات على فطنة فريق دعمته الدولة وحرصت عليه، فإذا به يفسد أجواء السلامة العامة عليها، بما يؤهله لتلقي برقية ثناء وشكر من تجمع “فاروق أبو عيسى”.!