"جبال النوبة" وتخلف المواصلات!!
} كانت من أولى نتائج انتقال التمرد إلى “جنوب كردفان” أن مشاريع التنمية في تلك المنطقة عطلت. كان هناك (مشروع جبال النوبة) الذي كان ينتج القطن (قصير التيلة)، وأيضاً ينتج (الذرة) و(الفول) و(السمسم)، وكل هذه المحاصيل كان المشروع يقدمها بكميات كبيرة.
لقد عاش إنسان تلك المنطقة مرحلة رفاهية، ولكن الحكومة لم تستغل ذلك بأن تعمل إلى تأسيس ذلك على قواعد تجعل من تلك المنطقة منطقة إنتاج وفير بصورة موسمية ثابتة.
} لم تقم الحكومة باستغلال نجاح المشروع لتطوير حياة الناس في “جنوب كردفان” بأن تبني له المساكن الحديثة التي تتمتع بالخدمات كلها، ولهذا عاد التمرد لتدمير مشاريع التنمية باسم تهميش المنطقة، وهي دعوة حق أريد بها باطل. لقد حاول الانجليز عمل شيء يؤكد اهتمامهم بإنسان المنطقة ومستقبله، فأسسوا معهد التربية بـ”الدلنج”.
ونحن ورثنا عنهم بلداً شاسع المساحة وأخذنا نفخر بأننا نمتلك بلداً مساحته مليون ميل مربع دون أن نفهم أن مسؤوليتنا أن نحافظ على هذه المليون ميل بتعميرها وتطويرها، والتطوير يكون بإقامة الطرق الحديثة المسفلتة التي تنتشر شبكتها إلى كل متر في هذا البلد بدون مواصلات حديثة، فلن يتم نقل الإنتاج الزراعي في موعده، ولن يكون بمقدور أحد الانتقال من مكان إلى آخر بسهولة.
} وأهم شيء في المناطق الشاسعة المساحة أن تكون بها مواصلات وشبكة طرق تنتشر في كل متر فيها.. إن سوء المواصلات لم يسهم فقط في إقعاد اقتصادنا، بل إنه افقدنا حتى الدخل من السياحة، لأن الإنسان الأوروبي عندما يأتي لبلد كالسودان، فإنه يأتيه للاستمتاع بالغابة والصحراء وما بينهما، وكل هذه تقع في مناطق متباعدة تحتاج إلى وسائل نقل سريعة، وهذا ما نفتقده.
لا أعرف سبباً يجعلنا نتجنب زيادة كيلو متر واحد على شبكة السكك الحديدية التي ورثناها من الانجليز، هل هو غياب الوعي بأهمية ذلك؟ أم أننا نخشى أن نتهم بأننا نريد عمل شيء لم يفكر فيه الانجليز؟ أخشى أن يكون السبب الأخير؟.
} كان أول شيء اهتمت به الثورة الروسية السكك الحديدية، فقد كانت هي الوسيلة الوحيدة للاتصال بين المدن، وأتى هذا الاهتمام لأنهم أدركوا أنهم لكي ينهضوا بـ”روسيا” في وقت وجيز لابد من تطوير السكك الحديدية، وتطورت هذه الشبكة حتى أصبح حالياً هناك قطار يتحرك من “باريس” إلى “موسكو” يبرمج الجميع موعدهم على حركته.
} أدرك الروس أن بلداً شاسع المساحة مثل “روسيا” سيتفكك إلى قطع صغيرة لو ظلوا في تلك المساحة وتلك الشبكة، واستدانت “روسيا” الملايين لكي تطور السكك الحديدية واستعانوا حتى بشركات أعدائهم الأمريكان. وهكذا نهضت “روسيا” خلال ثلاث خطط خمسية في عهد “ستالين”.
} هناك الآن مناطق في السودان لا تبعد عنا أكثر من مائتين كيلو متر في “جبال النوبة”، لكن إذا أراد أي واحد أن يصل إليها، فإنه يحتاج لعدة أيام في رحلة شاقة مرهقة ليصل بعدها شبه مريض.
لقد جربت السفر إلى (الشمالية) قبل إنشاء هذا الطريق المسفلت، لقد كان السفر قطعة من العذاب، لدرجة أن الشخص إذا سافر بهذا الطريق مرة، فإنه لا يفكر في تكرار هذا إلا مجبوراً ودون رغبة منه. ماذا سيكون حال الشخص الذي شاء قدره أن يكون مواطناً في إحدى قرى “جبال النوبة”؟
> سؤال غير خبيث
السفر في “أوروبا” لمسافة خمسمائة كيلو متر لا يأخذ إلا ساعات قليلة.. فكم ساعة أو يوماً يتطلب في السودان؟