تقارير

هل حقاً تفاجأ (حزب البعث) ببيان «أبوعيسى» و «عقار» ؟!

يبدو أن القرارات الأخيرة التي أصدرها رئيس الجمهورية قد أربكت حسابات أحزاب التحالف المعارضة للحوار، وما يشير إلى ذلك ما حدث بالأمس (الثلاثاء) من تباينات بين أحزابه وحزب البعث العربي ممثلاً في القيادي «محمد ضياء الدين»، في الاجتماع الذي عقدته أحزاب التحالف الرافضة للحوار مع الحكومة، لتحديد موقفها من الإجراءات الأخيرة التي اتخذها رئيس الجمهورية. وتمثلت في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإطلاق كافة الحريات السياسية والإعلامية والشخصية، ودعوة الحركات المسلحة لحوار داخلي مع إتاحة بعض الضمانات، ورغم تمسك رئيس حزب البعث العربي «محمد ضياء الدين» حتى يوم أمس(الثلاثاء) بمطلوبات الأحزاب الرافضة للحوار، وفقاً لما نشره على صفحته في (الفيس بوك) وتتضمن وقف الحرب وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، والأحكام التي صدرت بشأن بعض المتهمين بتقويض النظام، لكن يبدو أن هناك ثمة مستجدات على صعيد بيان قوى التحالف الوطني المشترك مع قيادة الجبهة الثورية ممثلة في الفريق «مالك عقار» الذي تلي في مؤتمر صحفي على الإعلاميين أمس. خلاصة البيان هي البقاء في محطة الممانعة لدعوة رئيس الجمهورية مع وضع اشتراطات تتعلق بوقف الحرب والشروع في إجراءات جدية لتهيئة مناخ الحريات.
البيان المشترك بين مسلحي (الخارج) ومدنيي (الداخل) قاد القيادي بحزب البعث العربي «محمد ضياء» إلى الإعلان صراحة عن أن هذا البيان لايمثل حزبه (البعث العربي). والبيان الذي تبرأ منه (البعث) سمي بيان مشترك بين قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية. وتحدثت حيثياته عن أن الطرفين (قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية) اتفقا على الحل السلمي الشامل المفضي إلى التغيير، وجددا مطلب وقف الحرب والانتقال من الحرب إلى السلام ومن الشمولية إلى الديمقراطية، والاتفاق على آلية مستقلة لإدارة الحوار بين كافة الأطراف، وتحديد الإجراءات التي يتطلبها الحوار والاتفاق على خارطة واضحة تنتهي بترتيبات انتقالية، بما في ذلك حكومة انتقالية تنفذ ما سيتم التوصل إليه، وأن تعقد الحكومة الانتقالية مؤتمراً دستورياً تشارك فيه كل القوى السياسية لحل كل مشاكل السودان.
واختتم البيان بعبارة أن الجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطني سيواصلان اتصالاتهما للوصول إلى برنامج مشترك يحقق المصالح لكل السودان، وجاء ممهوراً بتوقيع رئيس الهيئة العامة لقوى التحالف «فاروق أبو عيسى» ورئيس الجبهة الثورية «مالك عقار».
حديث «محمد ضياء» علناً عن عدم تمثيل البيان لحزبه، يشير إلى أن هناك خطوة كبرى تم تجاوز حزبه فيها، ولا يستبعد أغلب المراقبين أن تكون هناك شخصيات محددة هي من تدير ملف التحالف الآن وتحبك قراراته بعيداً عن أحزاب أخرى. وشخصيات تتبوأ مواقع قيادية مثلما الحال بالنسبة لـ«ضياء» الذي يشغل رئيس اللجنة السياسية في قوى الإجماع الوطني. وهذا الموقع يتطلب علمه بسياسات الكيان وبياناته، وتردد أن هناك أحزاب أخرى قالت كذلك لاعلاقة لها بهذا البيان لكنها فضلت أمس الصمت، مراقبون آخرون فسروا خطوة بيان التحالف الذي جعل رئيس اللجنة السياسية بالتحالف يعلن علناً تبرأه منه، يرجع إلى رغبة بعض أحزابه في نسف ما أصدره الرئيس من قرارات بشأن الحريات وإطلاق سراح المعتقلين، لخلق رأي عام معاكس لأجواء تهيئة الساحة إلى الحوار حال أقدمت الأجهزة الأمنية على اعتقال بعض قيادات التحالف.
فيما لم يستبعد متابعون أن لا يكون هناك اتفاق تم حول إصدار بيان مشترك مع الجبهة الثورية، ومن فعلوا ذلك أرادوا وضع حزب البعث العربي الاشتراكي وآخرين معه أمام الأمر الواقع، الذي يشير بوضوح إلى تقارب ما أو إعلان رسمي للعلاقة بين بعض أحزاب قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية، قد تكون علاقة تنظيمية أو فكرية خاصة بعد ابتعاد المؤتمر الشعبي وحزب الأمة القومي من هذا الكيان. وبالعودة للعلاقة سبق أن قال نائب رئيس حزمة الأمة القومي لـ(المجهر)، إن هناك بعض أحزاب التحالف تجره نحو الجبهة الثورية والعمل المسلح ونحن نرفض ذلك. وقبل ذلك يتذكر الناس وثيقة الفجر الجديد التي تضمنت اتفاقات بين التحالف والجبهة الثورية، ومن ثم تم تنصلت بعض الأحزاب منها لإشارتها إلى العمل المسلح.
بعد الربكة التي حدثت أمس وانسحاب «ضياء»، حاولت (المجهر) الاتصال بالقيادي بحزب البعث العربي «محمد ضياء الدين» للتعرف على ملابسات هذا البيان، إلا أنه لم يرد على هواتفنا وربما يكون اكتفى بالعبارة التي قالها للصحفيين في مقر المؤتمر. وهى أن هذا البيان لايمثل حزبه وليس لديه حديث أكثر من ذلك. أما القيادي بالحزب الشيوعي «صديق يوسف» فقد اكتفى بقوله: «محمد ضياء الدين» حضر اللقاء، وأحالنا لرأي «ضياء» المنشور على صفحته في (الفيس بوك) الذي يؤكد فيه التزامه بعدم المشاركة في الحوار مع الحكومة كما اتفق معهم.
أما «فاروق أبو عيسى» رئيس تحالف قوى الإجماع الوطني، فقال لنا عندما اتصلنا عليه أمس لمعرفة قصة البيان، قال: (سنعلق على الموضوع في وقته).!! ولا ندري ماذا يقصد «أبوعيسى» بوقته هذه؟! فقد مضى الوقت كثيراً ومازال التحالف في محطة الممانعة دون التوضيح!!
اكتفاء قيادات بعض قوى الإجماع التي اجتمعت أمس لتحديد موقفها من قرارات الرئيس الأخيرة بإجابات مقتضبة، يدل على أن هناك أمراً حدث فيما يخص البيان، وهناك محاولة لترميم هذه الهوة التي ظهرت داخلياً ومن ثم الحديث للإعلام.
لكن قد يكون هذا هو إحساس من كانوا شهود عيان على الحدث وللمراقبين رأي آخر أو كما اعتقد دكتور «عمر الحاوي»، عندما قال لـ(المجهر): (لا تحملوا الخطوة أكثر مما تحتمل)، مؤكداً أن الخلافات بين القوى السياسية أمر عادي تحصل أحياناً حول مشروع أو رؤية يختلف الناس حولها، ومن ثم يمكن أن يحصل الاتفاق وبالتالي الأمر يمكن أن يكون قابلاً للمعالجة، إلا أن بروفيسور «حسن الساعوري» قال: (واضح جداً عدم وجود آلية لاتخاذ القرار في تحالف القوى المعارض لتجتمع وتتخذ القرار، ما يدل على أنه اسم على غير مسمى. وماحدث بالأمس وسبقه في أيام فائتة مع حزب الأمة القومي قبل قبوله بالحوار مع الحكومة، يؤكد أن التحالف في طريقه إلى الانفضاض).
غير أن الثابت أن لحزب البعث العربي الاشتراكي مواقفه الجادة والملتزمة من مفترقات الصراع السوداني – السوداني وظل الحزب في جبهة المعارضة مختلفاً مع تيار تجيير الثورة السودانية لصالح المد (الأمريكي – الأفريقي)، وهو ما تمثله (الجبهة الثورية) بمكوناته المختلفة كأوضح ما يكون. وفي وقت سابق كشفت قيادة حزب البعث العربي قبل سنوات قليلة على لسان «محمد ضياء الدين» – نفسه – عن تعاملات مشبوهة لمعارضين مع السفارة الأمريكية بالخرطوم، وأعلنت رفضها لهذا السلوك. وليس غائباً على أحد أن التحالف الأمريكي الأوروبي هو الذي أسقط واغتال الرئيس العراقي «صدام حسين» وأنهى حكم (البعث) في بغداد، في وقت تدعو فيه الجبهة الثورية إلى تبني دعوات الهامش انطلاقاً من منصات عرقية (دارفور – جبال النوبة) تحارب الوجود العربي والثقافة العربية في السودان وتجد اسناداً من عواصم افريقية على رأسها «كمبالا» في ما تحرك موقف «جوبا» باتجاه محطة «الخرطوم» عقب حرب المتمردين الأخيرة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية