أحزاب معنوية
الحوار الذي تنخرط فيه الآن أو ستنخرط أطراف العملية السياسية بالبلاد في الحكم والمعارضة، تجمع له واحتشد تحت راياته أهل القوة الضاربة جماهيرياً، فمن الاتحاديين بفصائلهم وأصولهم وأفرعهم إلى حزب الأمة القومي و”الصادق المهدي” والروافد الممتدة عنه إلى المؤتمرين (شعبي ووطني)، حيث مركوز ثقل الحركة الإسلامية إلى الجماعات السياسية والحزبية الناشطة مسجلة وغير مسجلة، إلى أجنحة الحركات المسلحة الملتزمة بالسلام وهو التزام لا يقلل من وزنها وحقها ومستحقها في سابق تنظيمها القديم أو لاحق توفيق وضعها الحالي. ولئن اجتمع أكثر من تسعين اسماً وتنظيماً في قاعة الصداقة يباركون المسعى، فإن الطبيعي ألا يشكل غياب ثلاثة أو خمسة تنظيمات من الحزب الشيوعي إلى جماعة (المستقلون) و(حق) و(طاخ) !!
أحزاب التحالف المعارضة فصيل من حزب البعث ومنشقون عنه وبعض القوميين العرب، ولهؤلاء شركاؤهم الذين خاطبوا في قاعة الصداقة وقالوا كلمتهم ولم يعتقلهم أحد أو يخونهم، وبعض أحزاب المعارضة التي تسمى مقاطعة هي المؤتمر السوداني لصاحبه “إبراهيم الشيخ”، ثم حزب أو نصف حزب لفريق هنا وجماعة هناك ثم “فاروق أبو عيسى” وهو رجل يمثل نفسه فقط. وبهذه القياسات لا يمكن منطقاً وموضوعاً إلا الإقرار بأن الكفة الراجحة لصالح خيار القوى التي آمنت بالحوار واستقرت عليه، وهو موقف بالإجمال يؤكد أن الأحزاب الفاعلة ذات الحضور والأثر والتي ستشكل لون المرحلة المقبلة، قد وافقت ومن ثم فإن المسيرة ستمضي.
إذا كان الحزب الشيوعي بكل تاريخه وبذله دمعاً ودماءً وقصائد منثورة وأشعاراً لعضويته أو عضوية تم (الاستيلاء) عليها في حقول الإبداع المختلفة، كل محصلته في طوال العهود الديمقراطية والانتخابات حتى قبل عهد الإنقاذ لا تبلغ العشرة مقاعد في البرلمان أيام (نقد) و”عز الدين علي عامر” وغيرهم، ناهيك عن الحزب الشيوعي اليوم والذي صار لافتة تظهر في مسيرات المدافن وفي نواصي صفحات (الفيس بوك)، وترانيم المدونات وبعض ثرثرات الكوادر التي بزعم النضال والنزال رقيبة على أنفس السودانيين ورغباتهم، فكان أن تحول النضال ضد الحكومة إلى بيانات فجة ومتكررة، ومناشدات بالثورة والنزول إلى الشوارع يطلقها أحدهم من “باريس” مخاطباً بها شباب أمبدة والكلاكلات، إن كان هذا هو حال (الشيوعي) فما بالك بأحزاب وتنظيمات تكونت بعد انتقال “هيثم مصطفى” للمريخ !
أحزاب “إبراهيم الشيخ” و”فاروق أبو عيسى” أحزاب حالة معنوية وتمظهرات إعلامية، بل هي أحزاب (شجاعة أدبية)، بمعنى أن ينشيء أحدهم حزباً يكون هو المفكر له وهو الأمين العام والرئيس والذي يفصل ويرد العضوية، وهو الحائز مقعد حزبه في التجمع والتحالف وكل الندوات ! وهي حالة من الاستفراد وحكم الفرد الذي يحاربه هؤلاء في أدبياتهم الكذوبة، خير وأكرم لهؤلاء إدراك حقيقة وزنهم، وطالما أنهم قاطعوا الحوار وهو موقف يخصهم فإنهم على الأقل يستوجب عليهم التحلي بالاحترام للآخرين، والاعتراف بفارق التاريخ والمستقبل.