الرئيس «البشير» .. رسائل وإشارات من داخل قبة البرلمان
ربما اعتقد البعض أن الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية ليلة أمس الأول في مؤتمر المائدة المستديرة أمام القوى السياسية بقاعة الصداقة بالخرطوم لن يحتوي على مفاجآت أو نقاط مهمة قد يحويها خطابه الذي تلاه صبيحة أمس في افتتاح أعمال الهيئة التشريعية القومية في دورة انعقاد المجلس الوطني التاسعة، إلا أن الخطاب الذي استمر زهاء الثلث ساعة تضمن عدداً من الإشارات المهمة للغاية وأهتم معظمه بالاقتصاد والإنتاج والإنتاجية مع عدم إغفال التعليم والصناعات والتشريعات وتحفيز وتشجيع الاستثمار.
الحلة الباهية التي اكتسى بها المجلس الوطني والسجادات الحمراء التي امتدت في كل ردهات المبني العتيق، كانت متناغمة مع الحضور النوعي لمعظم قيادات الحكومة والحزب الحاكم الذي كانت له غلبة الحضور والتكبير والتهليل والتصفيق قبل وبعد خطاب الرئيس.
الحوار الأعلى صوتاً
معظم الأحاديث الجانبية داخل ردهات المجلس الوطني كانت تدور حول قرارات الرئيس الأخيرة التي أطلق من خلالها سراح المعتقلين السياسيين والحريات العامة وحرية الصحافة، وربما لأنه الحدث الأهم والأكثر تأثيراً على الساحة السياسية كانت بداية خطاب الرئيس بقضية الحوار مع القوى السياسية، مشيراً إلى بداية مرحلة جديدة في تاريخ الأمة المجيدة، قال: (إن قوامها التوافق على إقرار الدستور الدائم، ودعامتها العدل والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية، وسندها قوات مؤهلة ومدركة لأدوارها الوطنية، أما أساسها المتين، فقد بدأ تثبيته منذ حين عبر إستراتيجية قومية واضحة الرؤية ومحددة المعالم). وأضاف: (لقد تابعتم الجهود الحثيثة التي نبذلها لتحقيق الوفاق الوطني الشامل، الذي لا يستثني أحداً، وهي دعوة صادقة وإرادة مدركة لأهمية جمع الصف الوطني على ثوابت الأمة ومصالحها العليا لإرساء نظام لتداول الحكم بالطرق السلمية، وهي مسؤولية وطنية يتساوى فيها من هم في مقاعد الحكم مع أولئك الذين هم في جانب يحكمون المعارضة. وقد أجرينا في الأسابيع الماضية وحتى ليلة أمس حوارات شاملة مع الأحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة سعياً لبلوغ أعلى درجات التراضي والوفاق الوطني وقد استجابت غالبية الأحزاب والتنظيمات للحوار وأكدت التزامها واحترامها وتفاعلها)، كاشفاً عن وصول اللقاء التشاوري الذي عقده ليلة أمس إلى أفكار ورؤى ومقترحات ومخرجات إيجابية، مبيناً أن دعوتهم ما زالت مستمرة ومفتوحة ولا إقصاء لأحد عن الانضمام لركب الحوار القاصد للوصول والاتفاق على برنامج وثوابت أكد التزامه بها وفق آلية نعمل عليها جميعاً.
وأبان رئيس الجمهورية أنه (وتأكيداً لرغبتنا في إرساء دعائم السلام المستدام، فإننا لن نكل ولن نمل الدعوة للحوار الوطني المفضي إلى العدالة المطلقة في توزيع السلطة والثروة، وسوف نجلس مع كل من يبدي رغبةً للحوار الجاد، ومن هنا كان منطلقنا للمشاركة في مباحثات أم جرس وأديس أبابا).
مثمناً دور الأحزاب الوطنية التي شاركت بفاعلية في مباحثات أم جرس، التي أكدت حرصها على صون البلد، معرباً عن شكره وتقديره لدور الرئيس التشادي «إدريس دبي»، لجهده المخلص في المباحثات، ولأدواره المشهودة في كل ما من شأنه أن يحقق السلام في السودان.
تحديات اقتصادية
القضايا والتحديات الاقتصادية ربما تمثل أكبر المعضلات التي تواجه الدولة السودانية خلال الفترة القادمة لأن الاقتصاد يعتبر بمثابة الدعامة الرئيسية والقوية التي تسند بقوائمها أي نظام حكم؛ ولهذا فإن «البشير» أفرد حيزاً ووقتاً طويلاً لمناقشة واستعراض ما تم إنجازه في الاقتصاد خلال الفترة السابقة. وقال: (تركز أداء الدولة في المجال الاقتصادي على زيادة الإنتاج الحقيقي عبر زيادة الإنتاج والإنتاجية في القطاع الزراعي والحيواني والصناعي والمعدني، وتنفيذ البرنامج المتسارع لإنتاج النفط وتوفير متطلباته. واستهدف أداء الدولة في مجال المال زيادة الإيرادات القومية، حيث زادت الإيرادات بنسبة (125%) بينما بلغ الأداء الفعلي للإنفاق العام خلال العام الماضي ما نسبته(111%) من الاعتماد الكلي للموازنة، كما بلغ إجمالي السحب الفعلي على القروض والمنح ما جملته (4,1) مليارات جنيه، وقد وفقنا بحمد الله وعونه في توقيع (36) اتفاقية تعاون توفر للبلاد ما مقداره (1794) مليون دولار. كذلك اتخذت الدولة ترتيبات عملية لحفز وتشجيع الاستثمار، من خلال وضع التشريعات، واستكمال بناء المعاملات الإلكترونية، ومراجعة السياسات والخارطة الاستثمارية، ونشر المعلومات الخاصة بالتعريف بمناخ الاستثمار، وإصدار المراشد والموجهات اللازمة، حيث استقبلت البلاد خلال العام الماضي (450) مستثمراً من جنسيات مختلفة) .
وأضاف: (اتخذت الدولة ترتيبات للارتقاء بالصادرات وضاعفت الاهتمام بها بهدف خفض العجز في الميزان التجاري، وقد حققت الصادرات ارتفاعاً بنسبة (82,6%) مقارنة بالعام الماضي، ويعزى ذلك لارتفاع الكميات المصدرة من البترول الخام، بجانب ارتفاع قيمة الصادرات غير البترولية التي بلغ عائدها (3,4) مليارات دولار بنسبة زيادة (9,7%) عن العام السابق فضلاً عن زيادة قيمة الصادرات الزراعية بنسبة (146,5%)، ونتيجة ذلك تجاوزت حصيلة الصادرات (7,1) مليارات دولار) .
وتابع: (إيماناً بأهمية الإنتاج في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والارتقاء بقيمة العملة الوطنية، فقد إتخذت الدولة إجراءات لزيادة الرقعة المزروعة والتي بلغت نحو (36) مليون فدان بالقطاع المطري، وأكثر من مليون وأربعمائة ألف فدان بالقطاع المروي، وارتفع إنتاج المحاصيل بنسب متفاوتة، غير أنه وبوجه عام ارتفع إنتاج الحبوب من (2,5) مليون طن خلال العام 2012م إلى (5,9) ملايين طن عام 2013م، كما ارتفع إنتاج الحبوب الزيتية من (1,2) مليون طن إلى أكثر من (2,5) مليون طن خلال العام 2013م، مما أحدث توازناً طيباً في ميزان الحبوب الغذائية هذا العام .
وأضاف: (تضاعفت جهود المحافظة على القطيع القومي وتنميته بهدف تخفيف حدة الفقر وزيادة الإنتاج، إذ استمرت الجهود في تأهيل المحاجر والمعامل، مع الاهتمام بترقية النوع وتأهيل المزارع الإيضاحية وإنشاء وتسجيل المحميات الرعوية في النيل الأزرق وسنار).
وزاد:) عمدت الدولة إلى الارتقاء بالقطاع الصناعي لأهميته في زيادة الصادر ومضاعفة الإيرادات، واتخذت إجراءات لتوفير مدخلات الإنتاج وإعفائها من الرسوم، كما بذلت جهوداً مقدرة في تأهيل وتحديث المصانع، وقد أثمرت هذه الجهود عن ارتفاع إنتاج السكر إلى (705) آلاف طن، والأسمنت إلى (3,5) ملايين طن، وتحقق الاكتفاء الذاتي من السلع المنتجة في مجال الصناعات الهندسية والكيميائية. وفي مجال الصناعات الدوائية سعت الدولة لتوطين هذه الصناعة بالبلاد ، وفي سبيل ذلك تم اتخاذ إجراءات تشجيعية، بتوفير النقد الأجنبي لاستيراد مدخلات الإنتاج، مع إعفاء جميع مدخلات ومواد التعبئة من الرسوم الجمركية والضرائبية، وزيادة عدد المعامل المرجعية لتسجيل الدواء، مما ساعد على إحلال واردات كثير من الأدوية، ودخول مزيد من الاستثمارات في هذا المجال) .
وزاد الرئيس قائلاً:) بذلت الدولة جهوداً كبيرة للارتقاء بالإنتاج النفطي من خلال زيادة السعة التخزينية لمنتجات البترول، وتشييد مستودعات الغاز ، ودراسة أمر توسعة مصفاة الخرطوم للمرة الثانية للارتقاء بطاقة التكرير، وزيادة مناطق الاستكشاف، مما أدى إلى زيادة الاحتياطي من النفط بحوالي (13,8) مليون برميل، وقد بلغ إجمالي الخام المنتج خلال العام 2013م نحو (45,4) مليون برميل بمتوسط إنتاج يومي قدره (124) ألف برميل. وسعياً نحو المزيد من تفجير الطاقات الكامنة بالبلاد فقد عملت الدولة على دفع قطاع التعدين بوصفه واحداً من القطاعات الواعدة التي رفدت الاقتصاد الوطني خلال الفترة الماضية بدعمٍ كبير، وقد أثمرت تلك الجهود عن رفع إنتاج الذهب إلى (80) ألف طن، أسهم التعدين التقليدي فيه بنحو (34) ألف طن، كما تضاعف إنتاج المعادن الأخرى. واتصلت جهود الدولة نحو تطوير إنتاج الطاقة الكهربائية، حيث زادت الطاقة الكلية المولدة من (95,9) قيقاواط/ ساعة عام 2012م إلى (106,7) قيقاواط/ ساعة عام 2013م، وذلك بفضل اكتمال تعلية سد الروصيرص، ويتسارع العمل عبر محاور أخرى لزيادة التوليد الكهربائي، حيث بلغ الإنجاز في سدي أعالي عطبرة وستيت والذي يضيف (320) ميقاواط نسبة (59%)، وبلغت نسبة الإنجاز في محطة كوستي (84%) وبدخول الوحدة الأولى أضيفت (125) ميقاواط، كما اكتمل تأهيل محطات التوليد في سنار وجبل أولياء وتنفيذ مشروعات محطات كوستي وكريمة ودنقلا والفاشر، بجانب تنفيذ مشروعات محطات التوليد بالرياح في دنقلا والبحر الأحمر، والطاقة الشمسية في الباقير وغيرها).
خدمات عامة..
وفي قطاع التعليم قال الرئيس أن عدد الطلاب المستوعبين بمؤسسات التعليم العالي خلال العام 2013م ارتفع إلى (156,406) طالباً وطالبة بزيادة (5%) عن العام الماضي، وفي سبيل الارتقاء بالقدرات البشرية تضاعفت أعداد المبعوثين للدراسات العليا من أساتذة الجامعات ومساعدي التدريس، ليتجاوز عدد المبتعثين إلى الجامعات بالداخل والخارج (1500) أستاذاَ جامعياً، وفي الرعاية الصحية أكد أن عدد المستفيدين من التأمين الصحي ارتفع إلى عشرة ملايين وسبعمائة ألف مواطن لتبلغ نسبة السكان تحت التغطية. وأشار إلى أن الأداء استهدف خلال العام الماضي الارتقاء بقدرات القوات المسلحة، لتمكينها من حماية تراب الوطن، عبر إنشاء منظومة القيادة والسيطرة للقوات، وبناء قدراتها ورفع كفاءتها، وذلك إيماناً بأهمية القوة في حراسة مكتسبات السلام، الذي يتسع ظله كل يوم ليعم أرجاء الوطن في المستقبل القريب بإذن الله .
وحرصاً على بقاء السودان ضمن منظومة الدول الأقل معدلاً للجريمة، فقد تم اتخاذ الترتيبات اللازمة لمنع الجريمة بالعاصمة والولايات، مع تمكين قوات الشرطة بالعدة والعتاد، وتحسين الأحوال المعيشية لمنسوبيها حتى تظل هذه القوات كما كانت كالعهد بها حارساً أميناً لأرواح المواطنين وممتلكاتهم وأعراضهم .
مشاهدات من الجلسة.. مشاهدات من الجلسة.. مشاهدات من الجلسة..
> خصصت إدارة المجلس يسار المنصة الرئاسية لجلوس مساعدي الرئيس ورئيس السلطة الانتقالية، بينما خصصت يمينها مكاناً لجلوس رؤساء المجلس السابقين ورغم حضور مولانا «أحمد إبراهيم الطاهر» و«محمد الأمين خليفة» إلا أن عدم حضور د.»حسن عبد الله الترابي» ترك كثيراً من علامات الاستفهام بصفته رئيساً سابقاً للمجلس وليس بصفته الحزبية الحالية.
> قدم رئيس المجلس الوطني د.«الفاتح عز الدين» خطاب الدورة الماضي قبل خطاب الرئيس. واستعرض من خلاله ما تم إنجازه خلال الدور السابقة، وأكد التزام المجلس بالإصلاح والتغيير وانحيازها للحق والعدل بنظر فاحص.
> دلف إلى قبة البرلمان الفريق أول ركن «عبد الرحيم محمد حسين» وزير الدفاع قبل وصول رئيس الجمهورية بدقائق معدودة وشوهد يتبادل الأحاديث القصيرة مع بعض النواب والوزراء، إلا أن أكثر من صافحه بحرارة كان النائب البرلماني «إسماعيل حسين» الذي شد على يديه بقوة وتبادلا حديثاً ضاحكاً.
> كسرت وزيرة الكهرباء د.»تابيتا بطرس» البروتوكول بعد دخولها إلى قبة المجلس بعد حضور رئيس الجمهورية وأثناء تلاوة رئيس المجلس الوطني د.«الفاتح عز الدين» خطابه، وجلست بهدوء على أحد المقاعد الشاغرة يمين المجلس.
> النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق «علي عثمان محمد طه» دخل إلى المجلس قبيل دخول الرئيس بثواني قليلة.
> د.«نافع علي نافع» مساعد الرئيس السابق سار بهدوء من بوابة المجلس وحتى قبة البرلمان، ورغم أن د.«نافع» يعتبر مادة صحفية شيقة دائماً ما يتحلق الصحافيون حوله انتظاراً لتصريحاته التي عادة ما توصف بالنارية، إلا أن أحداً من الصحافيين لم يستوقفه ليتحدث له، ربما كان السبب انشغال أكثرهم بمتابعة تصريحات د.«مصطفى عثمان إسماعيل» التي تزامنت مع لحظة دخول د.»نافع».
> بعد نهاية خطاب الرئيس ونهاية الجلسة اضطر الصحافيون للخروج من الشرفة المخصصة للدبلوماسيين الذين شكلوا حضوراً كبيراً لمتابعة الخطاب، حالات كان التذمر والغضب اجتاحت الصحافيين بعد أن تم إغلاق الشرفة الخاصة بهم بعد الخطاب، وقد شهدت إغلاقاً مماثلاً لها قبيل الجلسة ولم يتم فتحها إلا قبل لحظات من بداية الجلسة.