«أم جرس» مبروكة بإذن الله
تمنيت أن أكون أحد الحضور في “أم جرس” إحدى مدن الشقيقة “شاد” كمواطن سوداني يتابع بحزن شديد أخبار المؤتمرات والاجتماعات التي تعقد في الشأن السياسي المعقد والذي استعصى عليّ فهم عقده وأنا قايل العبد لله محسوب من مثقفي أهل السودان، لكن حينما اختلي إلى نفسي أشعر انو محسوبكم ما فاهم التكتحه.. وفرحت فرحاً شديداً بل تفاءلت خيراً أن من يحملون السلاح من أهلي (الغرابة) قبلوا دعوة الأخ الكريم الشقيق “إدريس دبي” رئيس الشقيقة “شاد” والتي اعتبرها امتداداً لعلاقات ضاربة الجذور نسباً وحسباً وتاريخاً ومصالح ووشائج لن تنفصم مدى الحياة بإذن الله.. وبيني وبينكم كنت مرتاح نفسياً لانعقاد المؤتمر الأخير في تلك البقعة.. وسرحت بخاطري حينما زرت “أنجمينا” حاضرة الشقيقة “شاد”.. وأنا في معية قافلة ثقافية تشارك في أسبوع ثقافي انعقدت فعالياته هناك.. ولم أدرك هذا البعد العميق في العلاقات إلا بعد العناق الحار الدافئ الذي قابلنا به أهلنا في “شاد”.. سحنات البشر، التوب السوداني، الجلابية، السراويل، (النعلات)، الطعام، الشراب، الحيوانات، الرطانة، القران، عافية طيبين، جيداً جيتو، أرقدوا عافية، أدخلوا لي جوة، يومها حاضر صديقي بروفيسور “عبد الله حمدنا الله” محاضرة العارف بأصول التكوين الانثربيلوجي والثقافي والاجتماعي، وكشف في تلك المحاضرة القيَّمة العمق والبعد التاريخي القديم قدم النشأة، وطوف بالتحليل ما فعله الاستعمار ويفعله في تفكيك اللحمة والترابط الأزلي بين أهلنا وبيننا وبينهم روابط العمومة والخؤولة.. وجدت هناك من احترمني لمجرد أنني أحمل اسم “التيجاني” والطريقة التيجانية وتغلغلها في وجدان الإنسان السوداني – الشادي، وهذا حديث يطول تسمو به الأرواح في عوالم التوحيد والعقيدة والسمو الروحي.. (فرقة الأصدقاء) لها من المعجبين الذين لا حصر لهم توافدوا علينا في محل إقامتنا يحملون مشاعر الإعجاب والثناء والانتماء.. وجدنا شوارع “أنجمينا” خالية قبيل (المغرب) والسبب أن مسلسلاً سودانياً يبث في تلك الأوقات.. أما “د. عبد القادر سالم” أحدثكم ولا حرج عن سيرته العطرة كأحد أبناء السودان الذين مدوا جسراً متيناً بفعله الثقافي كفنان موسيقار مطرب وكأحد المعلمين الذين أسسوا المدرسة السودانية الشادية.. أما ولائم الطعام التي مدت لنا، لن تصدقوا إن حدثتكم عنها من كثرة الدعوات.. كان الداعون يتشاجرون كل يود أن تلبى دعوته.. ذلك الكرم الفطري والذي هو سمة من السمات المشتركة بيننا وأهلنا في “شاد” – أنا نباتي لكن حضرت ولائم الشواء المعروفة بـ(التشة)، رفقاء تلك الرحلة الجميلة يحدثونكم عن طيب طعام (التشة).. اسألوا أخي الفنان “القلع عبد الحفيظ” أو أخي الفنان “عوض الكريم عبد الله” أو أي من الزملاء المبدعين الذين رافقتهم في تلك الرحلة التاريخية الرائعة!! لماذا نهمل هذه الوشائج وهذا الحب؟! أليست هي مقومات وحدة الصف واللبنة المتينة التي توطد علاقات الشعوب لا سيما التي لا تفصلنا عنها إلا الحدود التي وضعها المستعمر (مسمار جحا) لتصبح نواة للفرقة والانقسام؟! بالله يا جماعة الخير عاينوا في سحنات أهلنا بالشقيقة “شاد”، أليست هي نفس سحنات أهلنا (الغرابة)؟؟ عاينوا في تفاصيل حياة الشعبين من مأكل وملبس أو حتى سبل كسب المعايش من زراعة ورعي وطق صمغ، الرقص، المقامات الموسيقية، الطقوس وعشرات المشتركات بيننا وبينهم.. زمان حينما كنا تلاميذاً كنا نحب الزعيم الراحل “جمال عبد الناصر” حدثنا عن القومية العربية وأفاض بالحديث في خطبة عن عناصر ومكونات وحدة الشعوب العربية، لكن للأسف ذهب الرجل إلى بارئه وذهبت معه أفكاره التي إن تمسكنا بها دولاً وشعوباً عربية ما كان وما كنا نعيش هذا الواقع المحزن من احتراب وخصام مزق أوصال الأمة التي اجتمعت عندها كل عناصر التماسك والرفعة والوحدة.. اللغة والعادات والتاريخ والمصير المشترك والدين.. لكننا كما قال الشاعر الراحل “نزار قباني” في ديوانه الذي أصدر في حرب النكسة: “خلاصة القضية، توجز في عبارة، لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية”!! وقال: “بالناي والمزمار لا يحدث انتصار، كلفنا ارتجالنا خمسين ألف خيمة قديمة”.. والطريف أن عدد خيامنا قد تضاعف مراراً ومراراً ومن يحضر تلك الخيام هم من اندسوا وسطنا واشترينا منهم السلاح وتأتي إغاثاتهم بعد أن يبذروا بذور الفتنة والشقاق لتدور آلة الحرب في كل مساحة من الوطن العربي ودونكم نشرات الأخبار من المحيط إلى الخليج.. والله حزنت الما حضرت اللمة في “أم جرس”.. طبعاً أنا من أنصار أن يجلس الفرقاء من أهل البلد في الحوش الكبير وأخوي الشال السلاح إذا وافق على الحل السياسي والذي منشأه الحوار وخت البندقية حبابو ما غريب الدار ونقعد ننضم للسنة الجاية بحضور الكبار.. وكبارنا ما شاء الله كبار سناً وعقلاً والفايت الحدود يهدوهوا ويبردوا نفسو ولا حقروهو اخوانو أو همشوهو الكبار يقولوا للحقار، عيب عليك.. قوم بوس وسلم على رأس أخوك وأخذي الشيطان والشيطان في زمنا ده. الدولار، وسيد الدولار، عارفنو منو؟؟ وهو البسوي “المديدة حرقتني” ويوم عيدو لمن تقوم الحرابة بين الأخوان.. وعييك لما يقوم ربيع عربي أو حرابة بين مسلمين ومسيحيين ويولعوا النار زيادة ويدعموا الخصمين الشقين رافعين شعارات الدولة الإرهابية وحقوق الإنسان وديل حلفاءنا وديل أعداءنا و”صدام” عندو أسلحة الدمار الشامل وديل أكلوا (الكيكة) كلها.. وملف القضية قدام (الأمم المتحدة) والتي لم تعد أمماً متحدة ولم تعد صمام أمان الشعوب، بل حتى قراراتها الصادرة في قضايا مرحلة منذ عقود من الزمان أصبحت حبراً على ورق وفالحة بس في ابتعاث القوات الدولية وطبعاً فاتورة الاتفاق عليها جبر ده في كسر ده! ودونكم ما يحدث الآن في “سوريا” و”العراق” و”تونس” و”اليمن” و”الجزائر” والعديد من الدول الإفريقية، والساقية لسه مدورة بدم الأبرياء والأطفال وتلك الصورة المألوفة المتكررة للشارع العالمي العام لحروب دامت وستدوم طالما أصبحت روح الإنسان وكيل الخالق على الأرض لا تسوى ثمن طلقة أو عبوة ناسفة لا تفرق بين العدو أو الصليح أو بين الطفلة والطفل، والمشهد أصبح مألوفاً لملتقى خدمة نشرات أخبار الدنيا.. مرات بقول براي: يا ربي دي علامات الساعة؟! والساعة آتية لا ريب في ذلك.. بعدين المصيبة الكبير بقت كلمتو ما مسموعة يمكن عشان هو ذاتو بقت كلمتو ما واحدة.. ونحن لي وقت قريب كنا نهاب رجل الشرطة لأنو بيمثل هيبة القانون!! بعدين كدي وروني حكاية منظمتنا الإقليمية الإفريقية وخلونا بموضوعية نسأل عن جدواها وماذا قدمت من حلول لمشاكل الدول الأعضاء فيها، والسودان من المؤسسين وأنتم تجردون حساباتها استصحبتوا معاكم القارة لمدة نصف القرن السابق من حروب ما زال أوارها مشتعلاً من فقر وتخلف وأوبئة وجهل وانقسامات “قال منظمة الوحدة الإفريقية” فالحة بس في عسكرة القوات مع احترامنا للمنخرطين فيها، هي نفسها ضحية تلك الحروب ولن تردع غاصباً أو منفلتاً أو محارباً بالوكالة، ولو كنت في “أم جرس” مع الكبار لقلت بالفم المليان “بلدنا دي، والله فيها الخير كتير، وما مستحيل تبقالنا جنة، لو نحن وحدنا الهدف، لو نحن وحدنا المصير، ولو ما بنعاكس نحن في الدرب الطويل، كان من زمان كيفن عرفنا نكسيها في الأبواب حرير. وبلدنا أولادها حقو يقدروها، وشوية حقو يحسوا بيها، وشوية حقو يوقروها، مسكينة شوف كيفن أهملوها وبلادنا دي أتأخرت أولادها هم الأخروها.. والخوف كل الخوف من صغارنا أول ما يبلغ الواحد فيهم الحلم يطير هوا ويرك في أي بلد تستقبلوا وما في مانع إن نال جنسية بلد المهجر ويبقى الرابط بينو والعقاب والكبار حوالة يمشي الحاج أو الحاجة يصرفها من أقرب صرافة ودعوات صادقة للمرسل بأن يحفظه الله ويغطي عليهو في الغربة البطالة!! والأرض السودانية مد البصر حتى بعد انفصال جزء حبيب منها.. وذاخرة بهبات الخالق الكريم الذي أجرى فيها أنهاراً عذبة لم تنضب مياهها منذ الأزل، وأرض خصبة لا تداني خصوبتها أي أرض في هذا الكون الكبير، وإنسان ورث أول حضارة في البشرية ما زالت تسم الخلف بسمات القيم الفاضلة.. بعدين يا جماعة الخير من ستة وخمسين عندما حصلنا على استقلالنا وسطر التاريخ مولد شعبنا وصدحنا للإمام “المهدي” وصحبه و”عبد الفضيل” وللشهداء! الحق يقال أخذنا نتراجع ودونكم المؤشر الاقتصادي للجنيه السوداني مقارنة بأية عملة من عملات بلدان العالم وهو الذي غنت له إحداهن “دفع المية للمشاطة!!”. إذن نقعد في تراب أرضنا الحنينة وخيرها والله بيكفينا ويزيد.
في الختام تقبلوا شكري وتقديري لكل سوداني اجتمع في “أم جرس” من المعارضة ومن الحكومة.. والمرة الجاية سوقوني معاكم إن شاء الله اقرأ ليكم قصائد في حب السودان زي:
(أطرد النوم من عيونك.. ما خلاص طلع الصباح.. وخلي بالك للبخونك.. يلا هيا على الفلاح.. ونادي أولادك وأصرخ غربتهم طالت سنين.. وافتح أحضانك وامرح.. وضمهم .. بس.. بي حنين.. وأوع تطلّع كلمة تجرح.. وتاني نرجع للأنين.. والزمن يسرقنا يسرح.. وتاني يسلبنا اليقين.. وخلي بالك للمدارس.. خلي بالك حصة حصة.. وللكراريس أبقى دارس.. والدرس نقراهو هسه.. وللتلاميذ أبقى حارس هم طينة ولسه هشة.. وللفصول خليك حارس ما تضيع فيها قشة.. الصبر هد الجبال.. وإنت صبرك ما اعتيادي وخلي ضرعاتك طوال توصل القرى والبوادي ولمهم لمة رجال وطوف بلاد الدنيا نادي وعلمهم كيف النضال وافتخر قول ديل ولادي.