"الدوحة" و"الخرطوم"!!
في عتمة ليالي السياسة الخانقة وفجيعة السودان في العرب لم تتخلَّ “قطر” يوماً عن “الخرطوم”.. لا خوفاً من الغرب ولا شحاً بمال دنيا!! وربما لذلك السبب ولطموح القيادة القطرية في الريادة وقيادة المنطقة، قد غضب العرب الخليجيون من “الدوحة” وقيادتها الشابة التي تسنمت الإمارة من خلال عملية سياسية راشدة.. أثبت فيها الأمير “حمد” زهداً ونقاءً وبعد نظر وسعة أفق وبصيرة.. حينما انتقلت الإمارة للأمير “تميم” الذي سار على درب سلفه!!
وقفت القيادة القطرية مع السودان حينما أعلن مدعي المحكمة الجنائية في “لاهاي” إصدار مذكرة لتوقيف الرئيس “البشير”.. وتسلل الشك حتى لبعض السودانيين أن “البشير” لن يستطيع مغادرة “الخرطوم” لأية عاصمة خارجية.. فكانت “الدوحة” أولى المحطات وبعدها.. خرج لأركان الدنيا حتى أوروبا.. وكسرت “الدوحة” بذلك القيد الوهمي المفروض على السودان ورئيسه، وولجت ساحة المشكلات السودانية باكراً.. سعت لرتق الجرح والفتق وانشطار التيار الإسلامي.. حاولت تقريب المسافات بين “الترابي” و”البشير”.. وأصابت شيئاً من النجاح وأخفقت في إعادة لحمة التنظيم المنشطر إلى نصفين!!
ثم استضافت في صبر مثل سيدنا “أيوب” المفاوضات بين الحكومة ومتمردي دارفور، ليتمخض جهد ثلاث سنوات من الحوار عن السلطة القائمة الآن.. فأنفقت “قطر” على دارفور ضعف ما أنفقه جميع العرب والأعاجم، ولا تزال تنفق وتسعى لضم حاملي السلاح من حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان لاتفاق “الدوحة” الذي خاطب القضية الدارفورية، وقدم وصفة علاجية لها ومهما اختلف الناس يتفقون على أن “الدوحة” تمثل حلاً موضوعياً لمرونة الاتفاق وشموليته!! ولا تحصى أفعال “قطر” في زاوية محدودة الكلمات.. ويكفي مشروعات التنمية الاقتصادية والاستثمارات القطرية في البلاد.. والسند المعنوي والسياسي الذي حظي به السودان من قبل أشقائه في “قطر”.
زيارة الأمير “تميم” لـ”الخرطوم” أمس(الأربعاء) ولقائه الرئيس “عمر البشير”، جاءت في ظروف بالغة الدقة على الصعيدين القطري والسوداني، فالأشقاء هناك يتعرضون لضغوط كثيفة من بعض دول مجلس التعاون التي أصابتها (الغيرة) مما تفعل قطر دولياً وإقليمياً، حيث شجعت “الدوحة” الشعوب الحرة للانتفاضة على الأنظمة القديمة، ووقفت مع رغبات الجماهير وأشواقها في التغيير، لأن “قطر” أول دولة عربية تجدد حكمها بالرضا والقناعة بلا دماء وسجون ودموع وأحزان، انتقال للسلطة فيه كل سمات الدولة الحضارية.. ثم الدور الإقليمي والدولي لـ”الدوحة” كدولة مفتاحية في المنطقة تحتضن القمم وموعودة بقيام (مونديال) كرة القدم في ملاعبها، مما جلب لها (غيرة) أبناء العمومة وحسد الأقربين قبل الأبعدين.. وما سحب السعودية والإمارات لسفرائها من “الدوحة” إلا مظهر لأزمة مكتومة في الخليج.. وحينما يزور الأمير “تميم” “الخرطوم” فإن جهات عديدة تتوجس من الزيارة وتعتبر “قطر” تلعب في ملاعب سياسية، غير مسموح لها حتى بالفرجة على ما يجري في عشبها السياسي.. ولكن ماذا يفعل هؤلاء إزاء إرادة شعب يقف مع قيادة دولة تحترم خيارات شعوب المنطقة.
شكراً الأمير “تميم”.. شرفتنا بـ”الخرطوم” رغم قصر الإقامة ولكن العبرة بالمقاصد والمعاني!!