وجهاء المدينة..!!
أعلن وزير المالية والاقتصاد الوطني الدكتور “بدر الدين محمود”، عن التوصل إلى معالجات بشأن استمرار التحويلات المصرفية بين البنوك السودانية والسعودية عقب لقائه مع وزير المالية السعودي على هامش اجتماعات المجلس الاقتصادي الاجتماعي العربي الذي عُقد بالكويت.. الوزير الذي التقى رئيس الجمهورية تطرق إلى زيارة له إلى الصين جرى الاتفاق حولها على رسوم عبور لنفط الشركات الصينية في حدود (20) دولاراً للبرميل ما قيمته (600) مليون دولار لحكومة السودان في العام.. وهذه أخبار مبشرة وإن كانت تشير بشكل جلي، خاصة في الجزء المتعلق بأمر التحويلات البنكية بين الخرطوم والرياض، إلى أن الإشكال كان فنياً أكثر منه إجراءً سياسياً كما تصور البعض.
الطبيعي في مثل هذه التطورات والأخبار أن ينخفض سعر الدولار الذي بالأمس واصل ارتفاعه، وأخشى ألا ينقضي الربع الأول من العام إلا وقد بلغ التسعة (الطويلة)! مما يعني قياساً على تدابير أخرى ومتابعات أن معضلة سعر الصرف بخلاف أسبابها الاقتصادية، فإن العلة فيها في شأن السوق تتعلق بأن حجم هذا السوق والناشطين فيه يشير إلى تورط جهات ثقيلة وذات مقدرات، وهو ما يعد معلوماً وإن صعب إثباته.
واضح من خلال جهد المكافحة والملاحقات الكثيرة وسياسة الإنعاش للعملة الوطنية، أن تجارة النقد الأجنبي صارت في بلادنا عمل مافيا أكبر ربما من قدرات الحكومة نفسها على مواجهتها، ويبدو أن الحكومة تحتاج إلى قوة دعم سريع لمحاصرة الظاهرة التي وضح أن سوقها الأسود يتمدد ويتسع، ومهما استقطبت السلطات الاقتصادية من تمويل وحوافز وحققت من إيرادات فإن التراجع يكون طفيفاً إن لم يكن معدوماً. والأمر بهذه الطريقة يحتاج إلى صراحة صادمة ومواجهة أعنف مما يظن البعض.
هذا السوق تنشط فيه عوائل وأسر وبيوتات كبيرة، وتشارك فيه مؤسسات وشركات أجنبية ووطنية، ونشط فيه أجانب أثرياء يديرون سوقاً للعملة بكتلة نقدية مهولة خاصة بعض الجاليات العربية، وواضح كذلك وفق تحليلات كثيرة أن جهات ربما داخل أبنية الدولة تشارك في هذا النشاط الهدام، لأن حجم هذا السوق المسمى الموازي، وهو تعبير مهذب ولطيف، أكبر بكثير من مجرد حصره في أنشطة تجار السوق العربي مهما كانت إمكانياتهم. تجارة النقد الأجنبي صارت مثل تجارة السلاح، مربحة ولا يمارسها احترافاً واختصاصاً عوام الناس والمغامرون منهم.. إنها تجارة (أولاد المصارين البيض) ومن لهم النفوذ والقدرة على التحرك بأغطية كثيرة حقيقية أو مدعاة.
صحيح أن الإشكالات والطارئات الاقتصادية والوضع السياسي والأمني كلها تعدّ مؤثرات ذات انعكاس على وزن العملة الوطنية، ولكن الأصح كما قال زملاء وكُتّاب كثر أن السودان قبل عشر سنوات أو تزيد وكان في أوضاع أمنية أكثر تعقيداً مما هو حاصل الآن، وبلا موارد ومحاصر لحد الاختناق، لكنه ضبط سعر عملته وحققت معجزة اقتصادية في ذلك.. فما الذي جدّ سوى أن جهات ما وأيادي ما وخونة ما قويت شوكتهم وعظمت سطوتهم!!
الخونة والمدمرون لهذا البلد ليس بالضرورة أن يكونوا حملة سلاح.. بعض القتلة للاقتصاد والناس ربما هم وجهاء المدينة وسادتها..!!