عالم غير بريء!
البعض يعتقد أن أفعاله وأقواله لن تخرج عن الإطار الضيق الذي يحاول جعله مغلقاً وخاصاً وسرياً.. وهو لا يعرف أن زمن الخصوصية قد انتهى.. وأن هناك كثيرين على أتم الاستعداد لتقديم المعلومات والأسرار وبأسعار زهيدة وربما بالمجان حين يكون الدافع هو مجرد الوشاية و(الوقيعة).. كما أن الأطراف من حولنا التي قد تكون جزءاً من هذا العالم الخاص لن تظل وفية للأبد.. وفي لحظة ما قد تفجر كل شيء ويصبح المخفي مكشوفاً والمسكوت عنه مفضوحاً.. وحين تتعارض المصالح ويختلف الشركاء أو حتى (اللصوص) يظهر المسروق كما يقولون..!
كم هم سذج الذين يظنون أن غراميات واعترافات وأسرار (موبايلات) آخر الليل هي حكر عليهم فقط.. وأن أصواتهم الهامسة لا يسمعها أحد سواهم.. وكم هم أغبياء الذين يعتقدون أن (الجرائم) كلها كاملة وأن غير المكتشف منها سيظل هكذا إلى الأبد.. وكم هم حمقى الذين يراهنون على (ذكائهم) في استغفال الآخرين والضحك على عقولهم.. حيث نكاد نوقن أنه لم يعد هناك أبرياء وأغبياء في هذا العالم على النحو (الاستعباطي) الذي سبق.. فالحياة تطورت والعقل تطور ومن لا دهاء له ولو قليل ستكون فرصه في هذه الحياة ضيقة إلى أبعد الحدود.. وحتى الحكماء أصبحوا ينحازون لما فيه مصلحة الناس وينتصرون لما يضيف للبشر لا ما يخصم منهم وبعيداً عن المثاليات والعنتريات..!
في زمن (العولمة) التي تديرها بكفاءة نادرة وبالريموت كنترول (المخابرات الدولية) تمتليء الملفات بالتقارير الشخصية جداً.. عن كل البشر وكل شيء من حولنا.. وأصبح بالإمكان تصوير حتى (النملة) وهي تدخل أو تخرج من جحرها.. و(الإرهاب) الذي تسعى المنطقة لمعالجته من خلال المؤتمرات والندوات التي تبحث عن معرفة الأسباب وصولاً لتقديم الحلول الإنسانية والموضوعية تتحرك وحدات مكافحة الإرهاب المدربة على نحو متكامل لتقصي الإرهابيين واصطيادهم الواحد تلو الآخر بعد أن نجحوا في معرفة أماكنهم وكشفوا ألف باء حياتهم ومارسوا (الرقابة) اللصيقة عليهم واشتروا الذين من حولهم..!
و(ميزانيات) معظم الدول لم تعد تذهب لشراء الأجهزة الطبية وآليات التنمية بل أصبحت الأولوية الإستراتيجية لأجهزة (التنصت) وكاميرات التصوير الرقمية المتطورة والتي يمكن وضعها في أي مكان دون أن يعرفها أحد بما في ذلك غرف النوم وطاولات الاجتماعات السرية المغلقة كما يكفي إحراز نتائج مبهرة في التصنت والتلصص على الآخرين مهما بعدت جغرافيتهم من خلال الأقمار الصناعية المنصوبة في سماوات الأرض على اتساعها..!
يحدث ذلك بسند جبري من القوانين واللوائح التي تتذرع بمكافحة (الإرهاب) ومطاردة (الأشرار) وإصلاح النظم الشمولية وبسط الحريات.. حيث لا يهم أن يقتنع الناس بتلك الشعارات التي تجعل (التنصت) على خصوصياتهم هو ضريبة لازمة لإرساء قواعد الحرية والديمقراطية فمن لا يقنعه منطق (العولمة) الذي يتعدى على خصوصية البشر سيقنعه (إرهابها) و(تخويفها) و(ترهيبها) و(ملاحقتها) و(القوائم السوداء) التي تنتظر من يحاولون التمرد عليها..!.