مصابيح الأرض الحرام
قرأت عن تعميم لمجلس الصحافة وجه بموجبه الصحف بالحرص على تسمية من يسقطون في ميادين القتال من القوات النظامية بوصف (الشهيد)، عوضاً عن قتلى أو صرعى. وقد ظننت أن قبل هذا أن كل عسكري أو نظامي يقتل وهو يطارد عصابات النهب وجماعات الخارجين من حملة السلاح هو(شهيد)، فدى بلده ومواطنيه ومات دون أعراضهم وأموالهم، وبالتالي فالمفترض ألا يحتاج المجلس إلى توجيه. فاسم الشهيد هو الوصف الدائم والحاضر عند كل الجيوش والحكومات لجندها الذين يسقطون أثناء أداء مهامهم بما في ذلك الذين يكونون في مهام احتلال واستعمار، فـ”غردون باشا” إلى اليوم في الوثائق البريطانية بطل انجليزي وشهيد.
لا أتحدث عن التكييف الفقهي والشرعي لمفهوم الشهادة فهذه واضحة لنا كمسلمين وهي تنطبق بالمناسبة على حال جندنا في هذا المدخل، ولكني أشير فقط إلى متفق عليه بشأن من يحمون بلادهم فلدى كل الجيوش في العالم العربي والأفريقي، فإن الجندي الذي يقتل أثناء واجبه هو شهيد. ولا تشذ صحيفة أو متحدث عن إثبات هذا غض النظر عن موقفه من حكومة بلاده، فرغماً عن احتجاج كثير من المنظمات والجماعات في الولايات المتحدة على عمليات غزو العراق، فإن الجنود الأمريكان الذين سقطوا في بلاد الرافدين سموا شهداء وأبطال. واتفق في هذا من كان ضد الغزو ومن كان معه من الشعب الأمريكي، بل على العكس من هذا فإن الخارج على سلطان الدولة والمناهض لها بأعمال عسكرية لا يسمى إلا قتيلاً ومجرماً. وأتحدى أي أحد أو جهة تستطيع الآن في صحيفة أو مدونة بواشنطن أن تطلق لقب شيخ، على “أسامة بن لادن” أو “أحمد يسن” ناهيك عن وصف شهيد.
إن فعل متحدث هذا أو صحفي أو حتى سياسي فسيجد نفسه عرضة للمساءلة والإقصاء، وربما الطرد والترحيل بتهم مساندة قوى إرهابية وجماعات متطرفة. ولكن في السودان بلد العجائب أبدى بعض الصحافيين تذمرهم من توجيه إطلاق وصف شهيد على جنودنا الذين سقطوا في دارفور وكردفان وحدود الجنوب. ويحدث هذا وبعض هؤلاء الصحافيين يتوسدون في نومهم سواعد مقاتلينا المرابطين على الثغور والمطاردين لقوى الشر، حينما يموت العسكري منهم هناك وأحدهم جالس في شارع النيل متجولاً بين المنتديات الثقافية، حراً مطمئناً لأن جندي شرطة أو جيش فداه هناك بعيداً.
الصحيح والذي يجب أن نخجل منه أن مجرد نسياننا كإعلاميين وصحافيين لهذا الأمر، لدرجة اضطرار مجلس الصحافة للتوجيه والتنويه، إنما يؤكد أننا تراجعنا كثيراً وأن العطب أصاب ذاكرة جمعنا المحترم، لأن هؤلاء الشهداء من جندنا لا يقاتلون حباً في القتال والأذى، وإنما يؤدون واجباً لهم في حفظ حياض الوطن وتأمين أهله، ويدفعون في ذلك أرواحهم وأشلاء من أجسادهم فهل يعز علينا منحهم نوط الشهادة تقديراً واعتزازاً.
رحم الله الذين مضوا وتقبل شهادتهم وأعز بهم وطنهم وأمتهم، مصابيح الأرض الحرام.