أخبار

عينان مغمضتان..!

أن تحلم فذلك ربما يكون علامة مرضية بفتح الميم وليس ضمها).. ونحن هنا نتحدث عن أحلام النوم وليس اليقظة.. فأحلام اليقظة نستطيع التحكم فيها.. والبشر بطبعهم حالمون وتواقون لامتلاك ما يرونه بأعينهم وتعجز عن أخذه أيديهم.. أما أحلام النوم فتلك أمرها عجيب.. ونحتاج في تفسيرها إلى علماء نفسيين واجتماعيين وأطباء ضالعين في معرفة أدق أسرار الجسد..!
على هؤلاء أن يجيبوا لنا عن سؤال: لماذا لا يحلم البعض؟.. وهل هذا بالفعل مرض نفسي أم عضوي؟ وهل من علاج لحالة عدم الحلم هذه..؟!
هناك من المؤكد إجابات تفصيلية لهذه الظاهرة التي قد تحدث للبعض أو أكثر من ذلك.. فقد سمعت من بعض الذين حولي كلاماً بهذا المعنى..!
أخبرني أحدهم أنه لم يعد يحلم على الإطلاق.. وحدثني آخر أن أحلامه أصبحت بالأسود والأبيض فقط..
لذلك فهو لا يتذكرها في الصباح.. وأنا شخصياً مرت على شهور في عام ما لم أحلام فيها على الإطلاق… ولكن وبعد انقطاع الإرسال عاودني الحلم مجدداً.. وبالألوان وليس بالأسود والأبيض.. لكن ما أشكو منه ويشكو منه أيضاً كثيرون ممن عرفتهم هو عدم وقوفهم على التفاصيل الكاملة للحلم عند اليقظة..!
كان حكيماً أحد الأصدقاء ، حين تعجب لشكواي وقال لي ولماذا تريد معرفة التفاصيل؟! تكفي العناوين العامة والعريضة.. فأحلام هذه الأيام تفسيرها يكون أكثره مضمراً لأحداث سيئة ستقع.. ألم يقل بعضهم إن الشيطان يوجد في التفاصيل..؟!
لكنهم كانوا يتحدثون عن اتفاقية سياسية وليس حلماً إنسانيا.. والأحلام تسكنها الكوابيس وتزورها الأشباح ولكن قلما تأتيها الشياطين.. ولماذا لا تأتيها فكل شيء في الأحلام وارد.. ومع ذلك فالاكتفاء بالعناوين العريضة للأحلام قد يغلق الباب الذي تأتي منه المخاوف الكبيرة..!
أما الذين لا يحلمون على الإطلاق فهناك من ينصح بإمكانية الحلم. فقط علينا أن نغمض أعيننا ونكون في حالة تامة من الاسترخاء.. ثم ممارسة التخيل.. واجترار الأشياء الجميلة التي نبحث عنها لتكون مصدراً مشعاً للحلم.. الحلم الذي نحاول استعادته بعد أن استعصى على منامنا..!
غمضة عين.. وسفر إلى البعيد.. هروب مؤقت من واقع مزر إلى خيال أكثر أناقة وبهاء.. الناس فيه طيبون ونقيون وأصفياء… والشوارع نظيفة وبهية.. والمدن تخلع زييها الأسمنتي لترتدي ثوب الطبيعة بعفوية وتلقائية ، وعالم خال من الضوضاء والضجيج.. دنيا تبتسم لك وتفتح ذراعيها بحنان حقيقي خالٍ من كلسترول المصالح..!
هذه ليست لعبة (اليوجا) وإنما طقوس استعادة الحلم عبر عينين مغمضتين.. وقلب يغامر بحثاً عن حب لا تتعثر خطاه عند أول منعطف.. وإنما يمضي حتى النهاية حاملاً البشارات وموزعاً حلوى الشكر والثناء حين عادت الأحلام ترفرف من حولنا مجدداً بعد أن صودرت وقمعت ومورس عليها الوأد في وضح ليل طويل!!
لا حاجة لنا لوصفات طبية تعيد إلينا أحلامنا المنزوعة.. ففي الليل الطويل وحين نغمض أعيننا نستطيع أن نعلن عن أحلامنا.. ليس بالضرورة أن نتعرف على تفاصيلها وملامحها.. ولا شيء يدعو لضرورة أن نفسر حقائقها أو أوهامها.. فما من أحد أفسد علينا متعة أحلامنا إلا المفسرين والمتنبئين والزاعمين بقدرتهم على تفسير الأحلام.. هؤلاء كم خدعونا.. وهؤلاء كم كسبوا أموالاً طائلة من وراء برامجهم الفضائية التي تزعم قدرتها على تفكيك الحلم.. وهؤلاء كم أرعبوا أحلامنا فتركتنا واستعصمت بالبعد عنا.. وها نحن نتجرأ على العلماء والمفسرين للأحلام على حد سواء.. فنحلم بلا حدود.. ولا نخشى أحلامنا.. لأننا استعدناها بأيدينا.. بل وحددنا فضاءها لتكون في مدارنا الذي نحلم به وليس الذي يحلم به سوانا..!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية