وثبة الإصلاح (2)
} تستطيع الحكومة في يوم واحد فقط اتخاذ قرارات من شأنها فتح باب السلام واسعاً، وبالتالي إنقاذ نفسها من أوضاع اقتصادية تنحرف بشدة نحو الانهيار. وهي لا تشعر في عليائها بالفقر الذي يضرب المجتمع والآثار السالبة لتردي الأوضاع الاقتصادية حيث تفشت الفواحش والجرائم والسرقات والتسول وتضاعفت أعداد اللقطاء في الشوارع بسبب الأوضاع الاقتصادية. قهر الفقر كرام المواطنين وحصد الموت آلاف الأرواح في دارفور، ولا يشعر أحد بوخز الضمير ولا المسؤولية عن القتل والحرق والنهب والسلب.. أما في مناطق مثل جبال النوبة فقد بات مألوفاً جداً رؤية قرى بأكملها تختار النزوح الداخلي.. وتباعدت المسافات بين سكان مناطق الحرب والحكومة المركزية وفقدوا الثقة فيما تقوله الحكومة.. بل بعضهم يعتبر استمرار الحرب سياسة تجد التأييد من بعض الجيوب المركزية. وفي مفاوضات “أديس أبابا” الأخيرة حدثتني الأخت “بثينة دينار” أحد قيادات التمرد النسوية عن ضغوط كثيفة تعرضوا لها من قبل متطرفين في الحركة الشعبية، يرفضون مبدأ الحوار مع الحكومة وأصابهم اليأس من السودان بوضعه الراهن.. بل وجه هؤلاء تهماً للحركة الشعبية بأنها تريد مرة أخرى خيانة قضيتهم والسعي لكراسي السلطة مع “الخرطوم”.. تلك جماعات متطرفة ربما أصوات نشاز ولكن الحرب هي من يغذي الكراهية بين أبناء الوطن الواحد، ويفتح أبواب التصدع والانهيار لأية دولة مهما كانت قدرتها. وهكذا الحال في دارفور وإذا ما اتخذت الحكومة قراراً بكامل قناعتها ودون الإذعان لضغوط خارجية أو داخلية، يمكن التوصل لاتفاق سلام مع كل الحركات المتمردة في غضون أيام معدودة جداً. وفي مناخ السلام مهما بلغت فواتير الأعمال وتبعات السلام فإنها أقل من تكلفة الحرب التي يستفيد منها قلة محدودة من المتاجرين بدماء الشعوب والمتسولين باسم النضال. ولكن المستفيد الحقيقي من السلام هو الشعب السوداني.. بالسلام يمتزج الصوفي بالمسيحي والسلفي بالعلماني وتتلاقح الأعراق ويفتخر الجميع بالسودان الذي ينتصر بالسلام، وتتوحد قواه الاجتماعية والسياسية بالحرية والكرامة وتتحقق المعجزات. ولكن الحرب تسلب الحريات العامة وحتى الخاصة، وأي حديث عن إطلاق سراح حرية التعبير وحرية النشاط السياسي والاجتماعي في مناخات الحروب يعتبر ضرباً من الأحلام!!
في مناخات الحرب لا يحلم الصحافيون برفع القيود عن الصحافة ولا يحدث التشكيليون أنفسهم بالتعبير عن خلجاتهم بالريشة والقلم.. ولا يطمح المعارضون من أحزابنا في إطلاق سراح المنابر والساحات العامة، فالأنظمة التي تخوض معارك داخلية سواء مع متمردين عليها أو متمردين منها، ترفع دائماً الشعار الذي تهضم به حقوقاً وتنتهك خصوصيات، و(لا صوت يعلو فوق صوت المعركة). ولذلك قضية السلام ووقف الحرب تمثل (مدخلاً) لحل قضيتين في ذات الوقت الاقتصاد والسياسة!! فلماذا لا تضع الحكومة هذه القضية كأولوية.. وهي لا تزال حتى اليوم مترددة، هل تقبل على التسويات؟؟ أم تبقي على الأوضاع على ما هي عليه الآن؟؟
أما العلاقات الخارجية مع الجيران والمحيط العربي والإسلامي فإنها أيضاً من القضايا التي تحتاج لقرارات ومواقف واضحة. نحن أمام حقائق وواقع لا أوهام، إما أن نبقى مع معسكر إيران وسوريا وروسيا، وإما أن نذهب لمعسكر مصر والسعودية والخليج. ولكلا المعسكرين استحقاقات وثمن ينتظر دفعه الآن وفي مقبل الأيام.