وزارة الداخلية ..تنويه
كلما أسمع بحملة منتظرة لضبط الوجود الأجنبي أشعر بأن الحكومة اتخذت خطوة صحيحة، في صالح فرض النظام وتدبر اللوائح المعلومة، في شأن المعاملات الهجرية التي ليس السودان بدعاً فيها. ولكني في الوقت نفسه أحس بأن الأمر يتطلب دقة عالية حتى لا ينحرف عن مساره الإجرائي المتفق عليه إلى عمل منفلت لسبب أو لآخر، مما يوقعنا في شبهات التمييز والبغض واستغلال ظروف بعض المهاجرين. وظني أن هذه الحملات يجب أن تتحلى بانضباط صارم لئلا تتحول إلى ممارسة قهرية للسلطة، تفرز إشكالات جالبة للضرر في توقيت يتطلب دبلوماسياً التواصل الايجابي مع منظومة الجوار الأفريقي. وأقول هذا وفي ذهني الشرخ الكبير الذي ضرب العلاقات العربية وبعض الدول الأفريقية عقب حملات مماثلة شهدتها بعض العواصم، انتهت إلى نقل بعض الوافدين على النقالات وصناديق شحن الموتى !
السودان ظل لعقود وعقود يستقبل الهجرات وقوافل المتسللين وبعض هؤلاء توطن بالبلاد وخالط بالزواج المواطنين، ونشأت أجيال من الشباب يعرفون مثلاً إنهم إرتريون وإثيوبيون حسب جذور والدهم أو والدتهم، لكنهم سودانيون بالميلاد والعيش والتعايش. وعلى هذا قس أمثلة أخرى لحالات تحولت إلى ركائز قائمة في التربة السودانية مما يتطلب انتزاعها تكييفاً لوضعيات جد معقدة، لا يملك له أولئك المعنيون بالإجراء إجابة ولا تملك له السلطات سوى (الكشة). وهذا سيوقع لا محالة ظلاماتٍ باهظة وظلماً لا يمكن رفعه لاحقاً باعتذار جهة أو تطييب خاطر.
الوجود الأجنبي يجب أن يضبط (ما فيها اتنين تلاتة) ولكن ما ندعو إليه استحداث معالجات تحقق هذا المقصد، وتنجز في الوقت عينه مقاصد تواصل السودان الايجابي وتطور علاقاته مع جيرانه، بأبعادها الرسمية ممثلة في التحالفات مع الحكومات والأنظمة والبعد الشعبي المتمثل في كونه بلداً تهوى إليه أفئدة من عسر حالهم في شعوب المنطقة، فهو إن تعسر حاله يبقى لهم الأخ الأكرم والصديق الثقة والجار المؤتمن عليهم، فينزلون إليه وثقتهم في أهله أكبر من ثقتهم هم أنفسهم في أنفسهم.
بلادنا الآن تستضيف أرتالاً من السوريين ومن يتجول في أحياء الرياض والمعمورة يشهد حضورهم المكثف. وأحمد لهذه الجالية أنها أحدثت حراكاً ايجابياً اقتصادياً، فهم أهل همة وعمل ولهم قدراتهم في التجارة وإدارة الأعمال الصغيرة. ومعلوم هو الحال في سوريا فإن وقع تحرك تجاه هؤلاء الإخوة ضمن موجهات حملات الضبط فإلى أين ينقلون؟ وعلى هذا قس في حالة الإرتريين الذين وحسب التوجيهات الرئاسية من المشير “البشير”، يعاملون معاملة خاصة مثل وضعية السوداني الواصل إلى إرتريا، إذ يدخلها بدون تأشيرة وبالبطاقة الشخصية. ويمتد التساؤل عن وضعية الإثيوبيين والمصريين الذين تكفل لهم (الحريات الأربع) التنقل والعمل، رغم أن هذا التمييز ربما لا يشمل السودانيين في مصر!
بالإجمال فإن حملة الضبط للوجود الأجنبي عمل يتطلب معايرة دقيقة واستصحاباً لخطوط حمراء وخضراء، يتداخل فيها الإنساني بالاجتماعي مع كثير من السياسة فتحلوا بالكياسة.