بعيداً عن السياسة!
يسألني: لماذا لا تكتب في السياسة ؟! أين ما تكتبه من قضايا السلام والانفصال.. أين مشكلة دارفور وتعليقاتك عن جولات المفاوضات.. وما هو رأيك في الحكومة؟! ما موقفك من الإنقاذ والمعارضة ؟! وما هي وجهة نظرك في علاقات السودان مع محيطه الأفريقي والعربي والإقليمي والدولي ؟! هل هناك ديمقراطية في السودان ؟! وماذا عن سقف الحرية في هذا البلد المتعدد الثقافات والأعراق؟!
أجيبه: ما أكتبه يا عزيزي كله سياسة.. فالسياسة ليست فقط كما يصفها السياسيون فن الممكن ولا حتى المستحيل.. السياسة قبل كل شيء (مناورة) اليومي والحياتي و(مساءلة) الذاتي والعام.. والبشر فيما أرى يفعلون ذلك بقصد أو غير قصد.. فهم سياسيون بالفطرة.. وكل واحد منهم (حزب) قائم بذاته.. و(سلطة) مستقلة بنفسها.. و(معارضة) فالظل والنور معاً !
وهل كانت (الكتابة) بمعزل عن السياسة.. أي كتابة هي (وجهة نظر) و(رؤية) من ثم هي طرح سياسي حتى إن لم يجد اعترافاً من السياسيين المحترفين أنفسهم.. والمسألة هنا أشبه بالحديث عن ممارسة نشاط ما بين الهواية أو الاحتراف.. الكتابة عن “نانسي عجرم” وأخواتها لا تقل خطورة عن الكتابة حول صقور البيت الأبيض وحمائمه.. بل الموضوع واحد والقضية مشتركة.. (البيت الأبيض) يحول أحلام بسطاء العالم الثالث إلى كوابيس وأشباح، فتأتي “نانسي عجرم” لتكمل الحلقة وتحول هموم الناس وهواجسهم إلى (أقواس قزح) ملونة وراقصة فينشغلوا عن سياسة البيت الأبيض بسياسة ملء البطون والفرجة على شاشة التلفزة والتصفيق لعجرم وأخواتها !
والكتابة عن (الصداع) مثلاً هي كتابة عن دارفور وموافقة تجمع المعارضة بمشاركته في السلطة أو عدم موافقته !
والفارق أن من يكتبون مباشرة عن هذه المسائل المصنفة ضمن ما هو سياسي يكتبون عن المقدمات بينما (الكتابة الأخرى) هي عرض للنتائج.. فالصداع هذه المرة ليس عارضاً جانبياً وإنما (علة) قائمة بذاتها لا تختلف عن (العلل) السياسية التي تطوق أقلام الكتابة !
وكي لا يسألني أحد لماذا لا تكتب في السياسة بشكلها المباشر.. أعد الجميع بدخول هذا المعترك الصعب فقط حين أفهم ولو جزئياً ما يحدث الآن في دهاليز السياسة ولا أعرف كم سيستغرق هذا من الوقت في ظل وجود بعض المعادلات السياسية المعقدة وأولها الإجابة على سؤال: ما هي السياسة؟!