الديوان

«الجزيرة أبا» من هنا بدأ التاريخ.. آثار تحكي أمجاد أمة

تعتبر “الجزيرة أبا” من أقدم الجزر في السودان من حيث المساحة، يبلغ طولها (33) ميلاً وعرضها (4) أميال، يحفها النيل من كل الجهات، فمن الغرب المجرى الرئيسي للنيل، ومن الشرق الجاسر وهو المدخل الترابي الوحيد للجزيرة والذي شيده الأنصار وصنعوا بذلك أحد أشهر الجسور الترابية في تاريخ السودان. اكتسبت “الجزيرة أبا” موقعاً استراتيجياً، فضلاً عن بعدها التاريخي المرتبط بالنضال ضد المستعمر مما جعلها المنطقة السياحية الأولى بولاية “النيل الأبيض”.
أثبتت الدراسات الأثرية والتاريخية التي تمت بـ”الجزيرة أبا” وجود مستوطنات ترجع إلى فترة العصر الحجري الحديث المتأخر حوالى (5000) عام قبل الميلاد والتي تمثلت في الانتشار الكثيف لقطع الفخار والأدوات الحجرية في مناطق مرسى البنطون بـ”طيبة” في الجزء الجنوبي لـ”الجزيرة أبا” و”حجر عسلاية”، كما وجدت مخلفات أخرى تعود إلى فترة حضارة مروي المعروفة (850 _ 350 ق.م) في كل من “الحلة الجديدة” و”حلة القرقور” و”التمرين” و”ترعة ود الرداع”، وقد اشتملت الموجودات على أنواع متعددة من الأواني الفخارية وأدوات الزينة مثل (الخرز) و(العقود) وغيرهما، أما الفترة الإسلامية فقد وجدت بعض المصاحف المخطوطة وأدوات الحياة اليومية مثل (الركوة) و(الألواح) و(الدوايا) و(الفروة) وغيرها (معظمها الآن موجود بحوزة الأهالي)، حيث اكتملت أسلمة هذه المنطقة مع بواكير الدعوة الإسلامية في وسط السودان إبان فترة (مملكة الفونج).
أصل التسمية
ذهب الراوي “محمد حسن أحيمر” عمدة “الجزيرة أبا” الحالي إلى أن المنطقة كانت عبارة عن مراعٍ واسعة وأراضٍ زراعية خصبة، يأتي إليها الرعاة من مختلف القرى المجاورة للرعي في فترة الصيف، وفي بعض الأحيان يفرض عليهم ملك “الجزيرة أبا” ضريبة مقابل رعيهم، وحينما يرفض لهم يقولون (مك الجزيرة أبا) أو (سيد الجزيرة أبا لينا) – أي رفض لنا – ومن هنا جاءت التسمية وما تزال مجموعات كبيرة من الرعاة تأتي الجزيرة من أجل الرعي والماء.
تتميز “الجزيرة أبا” بوجود عدد من الآثار التي تعود للمهدية من بينها قصر الإمام “عبد الرحمن” الذي شُيِّد على الطراز الانجليزي، ويعرف القصر محلياً هنالك بـ(السراي)، وشُيِّد في هيئة سفينتين في مساحة أكثر من (5000) متر، ويقع أمام السراي المنبر الذي كان يعتليه إمام الأنصار لمخاطبة الأهالي.
شهدت “الجزيرة أبا” أولى معارك المهدية وقوات الاحتلال التركي يوم 12 أغسطس 1881م حينما رست باخرة تحمل جنوداً بقيادة ضابط يدعى “محمد أبو السعود” للقبض على “المهدي”، واشتبك الجانبان في معركة غير متكافئة انتصر فيها أنصار “المهدي” بالسلاح الأبيض على الجيش التركي.
سر موية الراتب
يعتقد أهالي “الجزيرة أبا” أن من يشرب موية راتب الإمام “المهدي” يكون موصولاً بالبركة ولا يتعرض للمصائب، لذا يحرص الناس على شرب ماء الراتب الذي يضع داخل حلقات تلاوة الراتب في مساجد “الجزيرة أبا” ويمسح بها على أجسام الصغار، لكن هذه الظاهرة قلت من السابق.
تحمل أحياء “الجزيرة أبا” مسميات يعود أصلها للثقافة المهداوية الرحمانية شمال شرق الرحمانية، شمال غرب الرحمانية، جنوب شرق الرحمانية وجنوب غرب الرحمانية، بالإضافة للقرى والأحياء منها حي (التمرين) أو (قباء) وحي (الغار) و(دار السلام) و(تكسبون) و(أبو كوم) و(المنارة) و(الحلة الجديدة) و(طيبة) و(أرض الشفاء البيارة) و(المقرن) و(ناصر) و(المرابيع) و(الدبيبات)، ارتبطت “الجزيرة أبا” بأغنية الرحلة التي بدأت من الخرطوم مروراً بقرى ومدن “النيل الأبيض” وصولاً إلى “ربك”، حيث نهاية الرحلة وتقول الأغنية في جزء منها:
ﻓﻲ جزيرة المهدي الإمام
ﺗــﻢ ﺑـﻴـﻨـﻲ ﻭﺑـﻴـﻨــﻚ ﻛـﻼﻡ
ﺍﻟـعلاﻗـﺔ ﺍﻟﻜﺎﻧـﺖ ﻏـﺮﺍﻡ ﻛـُﻠـﻠـت
ﺑﺎﻟﺤـــﺐ ﻭﺍﻟـﻮﺋــﺎﻡ

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية