كذا !
الجرائم البشعة والانتهاكات العريضة التي ارتكبها الدستوري السابق مني أركوي مناوي والتي طالت المدنيين والعزل مسألة يجب أن يتم التعامل معها ببعدها القانوني والعدلي أكثر من وجهها السياسي القادر على المغفرة ومسح دماء الأبرياء، لتكون سائل تلميع للمناضلين قبل دخولهم القصر الرئاسي. ووضح لكل ذي بصيرة أن التمرد نشط الآن في شمال دارفور بحركة عبثية وسلوك انتحاري، فقواته وصلت منهكة من مطاردات قوات الدعم السريع التى كنسته من معاقله في (أم قونجا) بجنوب دارفور لتقصد عصابات التمرد المحليات الطرفية بشمال دارفور، مستغلة حالة الخلاف الكبير بين الوالي “كبر” والشيخ “موسى هلال”، فدخلت بعض المناطق بمنهجية العبور العاجل فقصدت “مليط” وخرجت منها لتعبر مهرولة (كذا) منطقة نحو وجهتها التي أتوقع أن تكون شرق الجبل مرتكز متمردي “عبد الواحد نور” لتنضم لقوة منقطعة هناك.
الدرس المستفاد إن كان هناك من يتعلم أن التمرد يستغل دوماً الفرج بين الصفوف، وما كان له أن يتمدد ويهاجم هذه الهجمات لو لم يكن بمأمن، بسبب الخلاف والفرقة التى جعلت رمزين بالولاية التي استقرت لسنوات متشاكسين، ينظر كل منهما إلى الآخر نظرة العدو ويتحسب كل منهما لخصمه أكثر من تحسبهما معاً لهجمات حركة تحرير السودان التي أخشى أنها عند طرفي النزاع أقرب مودة وقربى. !
عسكرياً وضح تماماً وثبت أن قوات الدعم السريع صارت مضاداً حيوياً فعالاً لأنشطة المتمردين، فحيثما توجهت تلك القوات سارع المتمردون بالفرار والمغادرة. وقد حدث هذا في الجبال الغربية ثم تكرر في جنوب السكة الحديد بجنوب دارفور، ويتكرر كذلك حالياً بشرق جبل مرة. وهو واقع لا محالة إن وصلت (قدس) إلى الفاشر وخرجت منها و(رمت قدام)، فإن مناوي مهزوم مهزوم وهو أصلاً يتعرض الآن لضغط سيضعه في حجمه الصحيح، وبالتالي فإن الخرق الأمني الكائن مستدرك ومقدور عليه، لكن الأخطر منه والأعمق ضرراً ستكون حالة الانقسام السياسي والاجتماعي. ولا أود التهويل والقول والاثنى التي تشهدها الولاية مما يتطلب معالجة حاسمة وحازمة، لأن ترك الأمر لحساب التسوية وفق منهجية اندمال الجروح من تلقاء نفسها، عملية فيها مخاطر جمة وكثيرة.
السلطة الإقليمية بدارفور حتى تبدو وكأنها محايدة فيما يجري وهي أصلاً أضعف من أن تقتحم صراع أفيال بهذه الضخامة، زعماء الإدارات الأهلية من القبائل والكيانات الشعبية يلزمون الصمت. الحكومة الاتحادية تقيس المسألة بحسابات الأرقام الصحيحة والكسور العشرية، وطرفا المشكلة “كبر” و”هلال” يتمسك كل بموقفه ولو تخطفته طيور الصراع، فالأول يصر على أنه مسؤول صاحب سلطات ومفوض بالانتخابات وهو ظل المركز هناك، والثاني يعتقد أن رؤيته في إقالة الوالي يجب أن تتم ولو بلغت القلوب الحناجر. وبين الحالين تبدو حيرة المواطنين عظيمة وكل يوم يمر سيعقد المشكلة وينقلها إلى مرحلة الانفجار الكبير الذي لا رجعة بعده إلا بتسوية مكلفة.
الحكومة عليها بأحد أمرين إما دعم واليها مهما كلفها الأمر أو إعفاؤه ومهما كلفه الأمر هو. !