أين «آل الهندي» في تركيبة الاتحادي المسجل؟!
السودانيون يعرفون بشكل لا يقبل القسمة ثلاثة بيوت ذائعة الصيت على الصعيد السياسي والديني، تحوز على قدر مشهود من المكانة الرفيعة والقبول التلقائي من ثنايا البعد التاريخي والوجداني، هم: “آل الميرغني”، “آل المهدي” و”آل الهندي”، يحف بهم الولاء العميق والود الصادق من المريدين والأحباب والحواريين.
من وحي المنهج الروحي المتمثل في الأنصارية والختمية والطريقة الهندية، كان هناك الحبل الممدود الذي ربط البيوت الثلاثة بحزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي، بغض النظر عن المسميات في السياق القديم والجديد، وقد كان انكباب الأنصار والختمية بتوريث أبنائهم في الدولاب الحزبي السياسي مصحوباً بالشغف الأصيل والخطوات الشفافة، بينما تركت الطريقة الهندية الباب مفتوحاً لتولي كرسي القيادة السياسية ارتكازاً على الحالة الظرفية والتقديرات العامة، وربما يكون “الشريف زين العابدين” قد وصل إلى منصب الأمين العام للاتحادي الديمقراطي خلال الديمقراطية الثالثة من زاوية شقيقه “الشريف حسين”، غير أن الرجل انقلب على هذا النمط حين عين الدكتور “جلال الدقير” في منصب الرجل الثاني عندما أسس الاتحادي المسجل عقب انفصاله عن مولانا “محمد عثمان الميرغني”!
في الصورة المقطعية، نجد أن “آل الهندي” لهم خصائص ومزايا مختلفة عن الكثيرين، فهم ينطلقون من حسابات ورؤى تحمل صبغة ذاتية مرتبطة بأحوالهم وأدبياتهم وطبائعهم ومزاجهم، فالواضح أنهم على صعيد العمل السياسي في الحزب يرفضون منهج التوريث ولا يمارسون الافتخار والزهو بمذاقهم الرمزي والعاطفي ونسبهم الكريم، بل لا يستخدم “آل الهندي” النفحة العريقة وإكسير الطريقة في المكاسب المالية والاجتماعية.. فضلاً عن ذلك، يتميزون بالعبقرية المدسوسة والبعد عن الأضواء والمظاهر، ويمارسون الإيثار، وأيضاً يفتحون الطريق أمام الانتهازيين للوصول إلى السُلم الأعلى دون الإقدام على زجرهم.. وبذات القدر، فإن مرشد الطريقة الهندية لا يتدخل في شؤون الاتحادي المسجل على الإطلاق مهما كانت الأحوال والظروف.
لقد قوبل هذا المسلك المتميز الذي اتسم به “آل الهندي” في باحة الحزب بالإجحاف والإهمال، ولم يجد التقدير والتبجيل والمردود السياسي.. فالشاهد أن “آل الهندي” عناصر مهملة في الاتحادي المسجل لا يستشارون ولا يشاركون في القرارات والخطوات الحزبية على كل المستويات، بل يوجدون في الحديقة الخلفية للحزب.
“آل الهندي” هم أصحاب الناقة في الاتحادي الديمقراطي المسجل.. أحوالهم تفتقر إلى البريق والصولجان، فالحزب ينهل من إرثهم وبريقهم من لدن “الشريف يوسف الهندي” الجد الكبير مروراً بـ”الشريف حسين” حتى “الشريف زين العابدين”، وإذا حاولنا النظر إلى أوضاعهم وأوزانهم في الحزب نجد أن “الشريف علي الشريف عمر” و”الشريف حسين إبراهيم” ليسوا من النافذين في التنظيم، وأن “الشريف الأمين الصديق” ارتبط بوالي الجزيرة وصارت علاقته مقطوعة بالحزب. وبذات القدر نجد أن أبناء “الشريف زين العابدين” خارج اللعبة السياسية، بينما كريمتاه “سلافة” و”مي” ليس لهما أدوار سياسية واجتماعية في حين أن الطريقة الختمية المشهورة بالانغلاق في المجال النسوي قدمت “الشريفة رقية” شقيقة “الشريفة مريم” حرم مولانا “محمد عثمان الميرغني” للعمل في السياق الاجتماعي والإنساني، فقد حضرت لها احتفائية بالدروشاب عن الأطفال اليتامى.. وكذلك نرى ابتعاد “الشريفة ريا حسب الرسول” و”الشريف يوسف الأمين الشريف عبد الرحمن”.
ومن هذا المنطلق يتأطر السؤال المركزي.. أين “آل الهندي” قي تركيبة الاتحادي المسجل؟!
كان الزلزال الكبير عند حدوث المفاصلة الشهيرة بين الدكتور “جلال الدقير” و”الشريف صديق الهندي” كبير الأسرة الهندية من الناحية السياسية، وخروجه من الحزب حتى أصبح رئيساً للحركة الاتحادية، حيث ظهرت مبررات خلاف “الشريف صديق” مع “الدقير” عندما أيقن بأن الحزب يخضع للمندوب السامي وتنعدم فيه المؤسسات والأشكال التنظيمية.
هكذا يحترق “آل الهندي” في الفرن السياسي من خلال خطواتهم المتسامحة، في حين أنهم يزدهرون في بستان الأدب الاجتماعي.. والقاموس السياسي انطلاقاً من باب المحافظة على الإرث ولوازم الرسالة التاريخية يدعوهم إلى استرداد أوضاعهم الطبيعية وحقوقهم المسلوبة، وخوض غمار التكاليف العامة بآليات الشجاعة والإقدام والجرأة والاتفاق على قيادة كاريزمية تمثل البيت السامي، في إطار رؤية جماعية لا تكسر الصف وتنظر إلى الأفق البعيد.