الأقوياء في شمال دارفور .. من تأكله الذئاب في صراع النفوذ ؟!
منذ أكثر من (11) عاماً اختار المؤتمر الوطني «عثمان محمد يوسف كبر» والياً لشمال دارفور وربما يكون هذا الاختيار جاء متزامناً مع أحداث دارفور التي اندلعت في 2003. «كبر» الآن يعتبر من أقدم ولاة جنوب دارفور بعد أن اجتاحت موجة التغيير عدداً منهم حتى الذين جاءوا وفقاً للعملية الانتخابية الأخيرة بعد أن تفاقمت الأحداث بولاياتهم، كما أن هناك أحداثاً عديدة وقعت في ولاية شمال دارفور خلال فترة وجوده جعلت الناس يتوقعون مغادرة «كبر» للولاية كان أبرزها قضية سوق المواسير التي وضعته في قلب حدث سبب هزة بالولاية لكن لم يحدث شيء من هذا القبيل. بعض المختصين أرجعوا السبب إلى نفوذ الوالي في المنطقة لاسيما أنه نشأ في منطقة طويشة وظل طوال السنوات السابقة يحظى بمساندة أهله وقبيلته (البرتي) بجانب أنه استطاع تحقيق استقرار نسبي في ولايته وجد الثناء من المركز لهذا ربما صمت عن بعض أخطائه، كذلك قيل إن «كبر» تمكن خلال الفترات السابقة من الوقوف في وجه تقدم الحركات المسلحة بوصفه مسؤولاً عن تأمين المنطقة.
لكن مؤخراً برزت عدد من المتغيرات السياسية والاجتماعية وربما الاقتصادية في مناطق شمال دارفور دعت زعيم المحاميد «موسى هلال» ينتقل بالمجموعات الموالية له للاستقرار هناك، و«هلال» كذلك نشأ في منطقة مستريحة ومدعوم من بعض أهله ومن مجموعات أخرى أقرب للمليشيات، وكان معروفاً بقربه من السلطة الحاكمة. وأيام كان الحديث عن إرسال قوات دولية إلى دارفور كان «موسى» قد أعلن تحديه لهذا القرار وتحدث عن أنه يملك قوة في مناطق دارفور يستطيع بها طرد هذه القوات حال مجيئها. بعد ذلك تم تعيينه مستشاراً بديوان الحكم الاتحادي الموقع الذي ظل شاغراً حتى شغله مؤخراً «عبد الكريم بخيت دبجو» رئيس حركة العدل والمساواة الموقعة على السلام دون أن تصدر الحكومة قراراً تعفي بموجبه «هلال».
حديثاً يبدو أن هناك مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر جعلت «هلال» يتحصن بمناطق نفوذه التي يقع ضمنها جبل عامر المعروف بمناجم الذهب وسبق أن دارت وسطه معارك راح ضحيتها بعض المنقبين بجانب عدد من أهالي المنطقة وخرج «هلال» للإعلام بعدها محملاً «كبر» ووزير المعادن السابق «كمال عبد اللطيف» مسؤولية ما حدث معدداً الآبار التي يمتلكها الوالي هناك رافضاً العودة الى المركز. وعلى ضوء هذا الوجود تصاعد الخلاف بينه وبين والي شمال دارفور «يوسف كبر» الذي اعتبره المراقبون صراع نفوذ، حيث أصبح كل منهما يراهن على نفوذه في مناطق شمال دارفور.
ورغم سخونة هذا الصراع الذي اندلع بين شخصين نافذين وتأثيره على الأوضاع في ولاية شمال دارفور التي تهاجمها الحركات المتمردة من وقت إلى آخر، إلا أن سلطة المركز لم تتدخل لحسم هذا الصراع الحساس بغير تصريح أدلى به «نافع» قبل مغادرته السلطة في إحدى زياراته لدارفور قال فيه إن من يخرج على المؤتمر الوطني ستأكله الذئاب، وفهم الناس حينها أن رسالة «نافع» موجهة لزعيم المحاميد «هلال». وهناك وساطات قام بها بعض أبناء دارفور مثل «عبد الحميد موسى كاشا» الوالي السابق لولاية شرق دارفور لكن لم تكلل بالنجاح، وحتى نائب رئيس الجمهورية «حسبو محمد عبد الرحمن» الذي ظل في دارفور عدة أيام لمتابعة الأوضاع عن قرب حسب ما ذكر في لقائه بتلفزيون السودان الذي بث مباشرة من نيالا لم يتحدث عن أنه سعى لحل الخلاف بين «موسى هلال» و«كبر» لكن هناك تسريبات ذكرت أن مبادرة نائب الرئيس لم تجد قبولاً. وعلى كل هذا يحدث في وقت كان يراهن فيه كل من الرجلين على قرار من المركز ينهي ويحسم الصراع لصالحه، إلا أن هذا القرار لم يصدر وتفاقم الصراع حينما حاول كل من الرجلين إبراز قوته من خلال عقد مؤتمر أهلي حاولا فيه استقطاب أهل المنطقة.
خلال هذا الأسبوع شهدت ولاية شمال دارفور أحداثاً دامية في شرق وغرب الولاية من قبل الحركات المتمردة ووفقاً لشهادات من عاصروا هذه الأحداث فإن «كبر» فقد السيطرة على بعض مناطق ولايته ولم يعد يحقق الاستقرار الذي كان يحققه للمركز في السابق والدليل على ذلك محاولة الاغتيال التي استهدفت الرجل ونشرتها الصحف رغم نفيه لذلك.
وقبل ذلك قيل تعرض لهجوم في ذات المنطقة «الكومة» وفتور في الاستقبال بمنطقة مليط. هذه الأجواء جعلت هناك شبه توجه وسط الحزب للمطالبة بإقالته من منصب والي ولاية شمال دارفور خاصة أن الصراع المستمر بينه وبين «هلال» تم استغلاله من قبل شخصيات وحركات لزعزعة الإستقرار في ولاية شمال دارفور، وهذا الأمر يشير إلى أن الأوضاع وربما القناعات والموازنات الآن بالنسبة لقيادة الحزب الحاكم أصبحت مختلفة في ولاية شمال دارفور.
في الجانب الآخر ما زال «هلال» يسيطر على مناطقه وبعد القتال الذي دار في المنطقة أصبح يطالب من يريد الحوار معه بالذهاب إليه في منطقته بجانب أن «هلال» تربطه علاقة مصاهرة بالرئيس «دبي» الذي أصبحت تربطه علاقة حميمة مع الخرطوم.
الأوضاع التي تشهدها الأجزاء الشرقية والغربية من ولاية شمال دارفور هذه الأيام لن تمر دون قرار بعد الصمت الذي لم يفسره المراقبون لصالح «كبر»، إلا أن «يوسف كبر» اعتبر بالأمس صمت المركز دليلاً على إسناده أو كما قال في حوارات نُُشرت في عدد من الصحف (لولا ثقة المركز وثقتي الشديدة فيه لما استمررت أصلا في الولاية ولا زال رأيي أنني موثوق جداً في الولاية من قبل المركز وأجد منه السند والدعم الكبير في هذه الأزمة التي نحن فيها، المركز ساندني سند كبير وتقيم معي أتيام من القوات المسلحة والأمن الوطني وتتم معي اتصالات يومية من الجهات ومتابعة دقيقة أردت أن أقول إنني لم أفقد السند ولا تزال العلاقة في أفضل حالاتها).
هذه المرافعة التي دفع بها «يوسف كبر» فهمها المتابعون في إطار ضعف ثقة المركز في الرجل وقالوا في السابق كان الوالي واثقاً في مقدراته لكن طالما أنه أصبح يروج لثقة السلطة فيه فهذا يعني أنه حديث للإعلام.
بعض السياسيين توقعوا أن يتخذ المركز قراراً يعلن فيه إقالة «كبر» من موقعه في خطوة لإعادة السيطرة على الولاية وإنهاء الصراع مع زعيم المحاميد «موسى هلال» وقد يتم اختيار شخصية من أبناء المنطقة.