تقارير

حريات ولاية الـخرطوم السياسية.. مطلوبات وعقبات

مثل إعلان ولاية الخرطوم عزمها إطلاق حق التعبير السياسي والمصلحي للكافة وفقاً للقانون على لسان واليها د. «عبد الرحمن الخضر» مفاجأة سياسية اعتبرها بعض المراقبين خطوة جيدة في اتجاه تمهيد الأجواء للحوار السياسي الذي دعا له السيد رئيس الجمهورية، إلا أن آخرين يرون أن القرار اشتمل على موجهات عامة وغير مفهومة، كما أن أكاديميين وسياسيين وصفوه بالمتناقض مع القانون العام.
وتأتي خطوة ولاية الخرطوم بعد يومين فقط من تصدي الحكومة لما وصفته قوى المعارضة بالحراك السلمي ونشاطاتها الجماهيرية التي بدأتها يوم (السبت) الماضي بندوة في ميدان الرابطة بمدينة شمبات.
تراتيب قانونية ودستورية
مركزية ولاية الخرطوم واستحواذها على معظم نشاط الأحزاب السياسي بالبلاد وديناميكيتها وصنعها لكثير من الأحداث بالإضافة إلى ضمها للعاصمة القومية فرض عليها واقعاً مختلفاً عن كل ولايات البلاد. وتكتسب أهمية إعلان الوالي عزم حكومته إطلاق حرية العمل السياسي أبعاداً إضافية، وفي حال تم تطبيق موجهات والي الولاية فإن انفراجاً ملحوظاً للحريات سوف تشهده الولاية الأكثر تأثيراً من مثيلاتها في بقية أنحاء البلاد، ولكن بالنظر إلى حزمة معطيات وعقبات قد تحول دون الوصول إلى الشكل الأمثل لما سمَّاها أستاذ العلوم السياسية د.»حمد عمر حاوي» بالتراتيب الدستورية والقانونية التي يمكن أن تؤخر ولو إلى وقت قصير ما دفعت به الولاية. وبدأ «صاوي» حديثه لـ(المجهر) بالإشارة إلى أن هناك جدلاً كبيراً حول وضعية العاصمة القومية وعلاقتها بولاية الخرطوم، لافتاً إلى أن البعض يرى أنه من الضروري أن تكون للعاصمة وضعيتها القانونية، وأضاف: (من ناحية ترتيبية ودستورية غير مقتنع أن ولاية الخرطوم معنية بالحريات لأنها مسألة سيادية تخص الدولة وحتى الجهات التي تمنع النشاط السياسي الآن لا تتبع للولاية).
واعتبر د.»حمد» حديث الوالي عن إطلاق حرية النشاط السياسي كلاماً غير مفهوم ومتناقضاً من كل النواحي وتدحضه أشياء كثيرة وتحتاج الولاية أن تشرح للناس قدرتها على فعل ذلك، وتابع: (إذا أخذت الولاية ضوءاً أخضر من الجهات العليا عليها أن تقول ذلك صراحة)، مقللاً في الوقت ذاته من الأمر برمته قائلا: (لا أعتقد أن المسألة فيها جدية واضحة لأن القوانين موجودة والمسألة ليست إجراءات شكلية فقط ولكنها بنية قانونية ودستورية حاسمة لكل التفاصيل، وإذا كانت هناك جدية فينبغي أن يتم التغيير بالقوانين).
وعن الحراك الذي افترعته المعارضة هذا الأسبوع ودوره في تشكيل هكذا قرارات قال د.»حمد»: (واضح أن الحكومة وُُوجهت بهجمة شرسة ضد حجرها على النشاط السياسي وتريد أن تعمل إجراءات شكلية لتجمل وجهها فقط)، معتبراً أن الحكومة (شغالة برزق اليوم باليوم) وليس لديها خطة واضحة تعمل على تنفيذها.. فهي تريد الحوار وتخشى نتائجه.. وتريد المصالحة والحوار ولا تعلم مآلاته وفي دارفور أصبحت هناك جهات كثيرة جداً غير منصاعة لأمر الخرطوم والخرطوم أصبحت عاجزة عما صنعت أيديها. وأبان د.»حمد» أن الحكومة تعاني أيضاً من عدم تنسيق بين أجهزتها المختلفة وهو الأمر الذي ساهم في إرباك أجهزتها من خلال تناقض تصريحاتها وليس هناك توجيهات رسمية واجبة للجميع.
حرية منقوصة
تُعد مسألة حرية العمل السياسي من الأمور التي طالما أرقت بال الحكومات المتعاقبة منذ نيل الاستقلال ومروراً بالأنظمة الديمقراطية والعسكرية، وظلت محور جدال عنيف بين فرقاء السياسة السودانية من هم على سدة الحكم ومن ينتظم في صفوف المعارضة، ولا يكاد يخلو منبر تفاوضي من مناقشة مستفيضة لمطلوباتها وحدودها وآثارها ونتائجها، وظلت قضية حرية العمل السياسي تتصدر قائمة اشتراطات المعارضة قبل الدخول مع الحكومة في أية تفاصيل حوارية أخرى، وبعض قوى المعارضة تتقن اللعب بحرفية بائنة على كل هوامش الحريات التي تسمح بها الحكومة ولهذا فهي تتحرك في تلك المساحات المتاحة وتنجح في تحقيق اختراق كبير واتصال جماهيري قد يكون ضيق الحواف ولكنهم يرونه أفضل من عدمه. وفي الجانب الآخر يتخندق بعضهم ضد أية حرية منقوصة ويرون أن الحريات تأتي كاملة أو لا، ولهذا فإنهم يطالبون بحرية العمل السياسي والصحفي والإعلامي وحرية التنظيم والاتصال، وهو الأمر الذي أشار له القيادي بالحزب الاتحادي (الأصل) على المحامي «علي السيد» قائلا: (يبدو أن المؤتمر الوطني أراد أن يطلق جزءاً من الحريات ولكن بالتقسيط لأن إطلاق الحريات بالخرطوم لا يعني إطلاقها في بقية البلاد، وباقي الولايات لا تزال تحت مقيدة وفي انتظار هذا المرسوم)، ورغم أن «السيد» أعرب عن أمله في أن يكون خبر إطلاق الحريات السياسية صحيحا إلا أنه عاد وزاد بأن هذا الحديث ينم عن اعتراف صريح بالحجر على الحريات، وفي حال تم تطبيقه فسيكون حكراً على ولاية الخرطوم فقط وتمنى أن يطبق في كل الولايات.
محاذير
رافق إعلان والي الخرطوم إطلاق حرية العمل السياسي الأسبوع المقبل حديث آخر عن رفض الحكومة لبعض آليات الضغط التي يمكن أن تستخدمها قوى المعارضة للاستجابة إلى مطالبها ومنها إغلاق الشوارع والتظاهرات، وربما أن تلك الأحاديث حفزت «علي السيد» إلى العودة مرة أخرى للحديث عمما سمَّاه بالحرية المنقوصة بقوله: (هذا الحديث اتبعه بحديث آخر عن رفض الحكومة تلك الآليات الجماهيرية وهو ما يمكن اعتباره حرية منقوصة لأن كثيراً من الحريات منصوص عليها بالدستور). ونبه القيادي بالحزب الاتحادي إلى ما أطلق عليه بالتعارض الواضح بين القانون الذي سوف تعمل به ولاية الخرطوم في حال أطلقت حرية العمل السياسي وبين القانون العام، وأضاف: (من رتبوا لذلك لم يوفقوا لأن ذلك من شأنه أن يتعارض مع القانون العام).
وتكهن «علي السيد» بأن الشىء الوحيد الذي يمكن أن يفعلوه في الوقت الحالي هو تقرير السماح بحرية التعبير وإلغاء شرط التصاديق لإقامة الندوات.
تحدي..ومطلوبات..
التحدي الكبير الذي يعتقد مراقبون أنه يواجه المؤتمر الوطني في الوقت الحالي هو السعي لتحقيق إجماع وطني وتكوين جبهة داخلية قوية، وتحقيق هذا التحدي سوف يكون رهيناً بهامش الحريات الواسع جداً، ولعل ذلك هو ما دفع دكتور «الدرديري محمد أحمد» رئيس قطاع العلاقات الخارجية بالحزب الحاكم إلى التأكيد في حديث سابق أنه لا حوار بدون إطلاق الحريات العامة لأنها مسألة أساسية حسب وصفه وضمانة يسعى المؤتمر الوطني لتوفيرها لإثبات حسن النوايا، كاشفا عن أن طلاق الحريات العامة سيكون خلال الفترة القادمة بشكل مطمئن للجميع، لافتاً إلى أن البدء بإطلاق صحيفة (رأي الشعب) والسماح لها بالصدور يعد مؤشراً إيجابياً، وأضاف أن المؤتمر الوطني على قناعة تامة بأن إطلاق الحريات العامة هي الضمانة الأساسية التي يسعى إلى توفيرها، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن حدود هذه الحريات هي القانون والدستور الحالي الذي يحكم السودان وسيظل الدستور الذي يتحاكم عليه حتى تجلس كل القوى السياسية للتشاور والتحاور لوضع دستور يجمع عليه الجميع مؤكداً أنهم سيقومون بكل ما في وسعهم لتوفير هذه الضمانات، مضيفاً بأنهم منفتحون لتقبل آراء المواطنين والقوى السياسية الخاصة بهذه الضمانات، وهذا الحديث من رئيس القطاع الخارجي بالحزب الحاكم يبدو متماهياً مع ما بشر به والي الخرطوم وذات الأمر يبدو أنه راق للقيادي الاتحادي «علي السيد» الذي عبر عن أمله في أن يكون إطلاق الحريات ليس مقصوراً على النشاط السياسي فقط وأن يتعدى ذلك ليشمل الصحف والإعلام والتلفزيون و الحريات كافة دون تقييد، وتابع: (في سبيل الحوار يمكن أن تقدم الحكومة تنازلات لجر الأحزاب التي امتنعت عن الحوار إلى الطاولة، وهي تريد ـ أي الحكومة ـ أن تدفع في أدمغة الناس أن الحريات موجودة ولا داعي للامتناع عن الحوار)، ثم عاد «علي السيد» وأشار إلى كل هذه الحرية تظل منقوصة مالم تتبعها بقية الحريات، بالإضافة إلى أهمية أن يكون القانون عاماً وليس محصوراً على نطاق ولاية الخرطوم فقط.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية