نفرة العدل في دارفور.. من يكسب رهان الجولة؟!
دارفور تعود إلى سطح الأحداث الساخنة في العالم مرة أخرى.. هكذا هي أو هكذا أريد لها أن تغطي على تداعيات الأزمة في جنوب السودان، أو ربما يكون التصعيد الأخير له أهداف أخرى أرادت من خلالها حركات دارفور أن تفك الخناق عن حلفائها في الجبهة الثورية بمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق سيما بعد إعلان القوات المسلحة عن تقدمها في عدة محاور في تلك المناطق إلى جانب التعهد الذي تقدم به الرئيس «البشير» بأن تكمل القوات المسلحة عملها قبل انتهاء فترة الصيف الحالية.. عموماً القراءات كثيرة في مسألة السلم والحرب في دارفور سيما في الوقت الراهن. وبالنظر إلى التصريحات التي أدلت بها مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن «سامنثا باور» التي طالبت من خلالها أعضاء مجلس السلم والأمن بالبحث عن منبر جديد لحل قضية دارفور بدلاً عن منبر الدوحة، بل ووجهت المرأة انتقادات لاذعة لاتفاقية الدوحة لسلام دارفور، وقالت خلال مداخلة لها أمام اجتماع مجلس السلم الأفريقي بأديس أبابا الأسبوع الماضي إن وثيقة الدوحة عفى عليها الزمن وأصبحت لا يُعتمد عليها، وفي الخرطوم اعتبرتها الحكومة مساندة لقطاع الشمال ومشجعيه للحركات المسلحة للاستمرار في الحرب وعدم القبول بالخيار السلمي.
نفرة قانونية
في تلك الرمال المتحركة ذهبت إلى ولايات دارفور عدة وفود على مستويات مختلفة من بينها وفد يقوده نائب الرئيس د.»حسبو محمد عبد الرحمن» والي ولاية جنوب دارفور تمكن من خلال فترة وجوده فيها من التوقيع على اتفاق سلام جديد مع مجموعة منشقة عن حركة تحرير السودان بقيادة «عبد الواحد محمد نور» إلى جانب انجاز اتفاق صلح قبلي هناك، أما ولاية شمال دارفور وهي الأكثر اضطراباً في الأيام الماضية فقد تضاربت الأنباء. ففي الوقت الذي نقلت فيه الصحف معلومات تفيد بتعدي حركة «مناوي» على منطقة مليط أيضاً نشرت معلومات تفيد بأن الوالي «كبر» قد تعرض لمحاولة اغتيال أودت بعدد من حراسه وهو ما نفاه الرجل لاحقاً، وقطعاً كل ذلك يفضي إلى نتيجة واحدة وهي أن دارفور تشهد حراكاً كثيفاً في جهود السلم والحرب في آن واحد، وربما يتساءل البعض عن جدوى الحديث عن نفرة قانونية في واقع ينفلت فيه الأمن بدرجة كبيرة في بعض المناطق وفي اوقات مختلفة، وذلك ما أجاب عليه وزير العدل مولانا «محمد بشارة دوسة» بقوله إن الاستقرار الأمني وبسط هيبة الدولة هما أساس العدالة، وربما ذلك ما دفع بالرجل إلى التحرك والإعلان عن نفرة عدلية تهدف إلى إكمال النقص في عدد المستشارين في ولايات دارفور، بجانب دعم الجهود الكبيرة التي تقوم بها النيابات في تلك الولايات ودعم جهود مدعي عام جرائم دارفور –حسبما قال وزير العدل- الذي قال أيضاً إن المستشارين المنقولين إلى دارفور تتركز طبيعة عملهم في فتح البلاغات الجنائية والتحري وتمثيل الاتهام أمام المحاكم، بالإضافة إلى بسط هيبة الدولة من خلال تطبيق القانون وتحقيق العدالة للجميع، ويبدو أن الوزير أراد الاعتراف بوجود نقص في طاقم العمل القانوني ممثلا في النيابات في بعض ولايات دارفور، ولكن قد يقول البعض إن الإجراءات القانونية تحتاج إلى توفر قوة ردع للمتفلتين سيما في ظل وجود انتشار كبير للسلاح في أيادي المدنيين والحركات المسلحة في آن واحد، وذلك بالضرورة يتطلب إيجاد معالجات أخرى في جانب دعم القوات المسلحة لتبسط هيبة الدولة حسبما قال عدد من ولاة دارفور خلال الفترة الماضية، إلى جانب ضرورة الاستمرار في مسار التفاوض مع غير الموقعين على اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور لضمان وقف الحرب بشكل شامل ونهائي.
تصعيد وانسحاب
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه أيضاً مسارات أخرى متعلقة بقضية دارفور تفاوضا ومن بينها التفاوض بين الحكومة والصليب الأحمر الدولي بعد إعلان بعثته في السودان انسحابها عن العمل في دارفور وتقديم العون الإنساني للمواطنين هناك، حيث من المقرر أن تصل إلى البلاد بعثة أو وفد من رئاسة البعثة للتفاوض مع الحكومة حول إمكانية عودة البعثة إلى عملها، وفي اتجاه آخر يعقد مديرو وحدات الطوارئ بوكالات الأمم المتحدة مؤتمراً صحفياً اليوم بمقر بعثة الأمم المتحدة بعد جولة قاموا بها الى ولايات دارفور.
المدعي والدور القادم
الإجراءات الأخيرة التي أعلنتها وزارة العدل ربما تلقي بأعباء إضافية على عاتق المدعي العام لجرائم دارفور، سيما وأن أعضاء المجلس التشريعي لولاية شمال دارفور أكدوا عزمهم العمل على توفير قوة أكبر لتجسيد العدالة وبسط هيبة الدولة من خلال التشريعات المختلفة، وذلك ما طالبهم به وزير العدل مع قادة الإدارة الأهلية بولايات دارفور، بل وأكد الوزير استعداد وزارته لملاحقة مرتكبي الجرائم في دارفور وإلقاء القبض عليهم ومحاكمة المتهمين غيابياً في حال عدم وجودهم، معلناً عن اتخاذ العديد من الإجراءات حيال المتهمين الذين يتم القبض عليهم وذلك بترحيلهم إلى السجون البعيدة في بورتسودان وغيرها كوسيلة من وسائل ضبط المجتمع، وربما يهدف ذلك إلى منع تكرار بعض الحوادث التي وقعت في بعض مناطق دارفور في فترات سابقة ومن بينها اقتحام مجموعة مسلحة الى فناء محكمة في جنوب دارفور واقتياد محكومين من داخل مباني المحكمة الى جهات مجهولة.
دور إعلامي
«دوسة» أيضا أشار إلى أن الإعلام تقع عليه مسؤولية تبصير المواطنين الذين انتهكت حقوقهم بضرورة فتح بلاغات بشأنها، وضرورة عدم السكوت عن الأحداث والانتهاكات التي حدثت حتى تأخذ العدالة مجراها، وقال إن زيارته للفاشر تأتي بهدف تجسيد الوقائع التي حدثت بالولاية وفتح بلاغات وحصر الأضرار بجانب رصد الذين قاموا بالعمل وذلك في إطار الجهود المبذولة من وزارته لبث روح الطمأنية في نفوس المواطنين.
قمة (البشير ــ دبي)
الفترة من الخامس والعشرين وحتى التاسع والعشرين من الشهر الجاري حسبما هو معلن ستشهد حدث ربما يكون له تأثير كبير على العملية السلمية في دارفور، وذلك الحدث يأتي استمرارا لسابقه من مؤتمر أم جرس الذي عقده أبناء قبيلة الزغاوة في السودان وتشاد وحضره الرئيس التشادي ادريس دبي، حيث تم الإعلان رسمياً عن انعقاد مؤتمر آخر في أم جرس بنهاية الشهر الجاري ويحضره الرئيسان «البشير» و»دبي» لبحث الأمن في الشريط الحدودي وقطعا يتضمن ذلك مجمل الأوضاع في دارفور نتيجة لتأثيرها على الأوضاع بين البلدين. وقال «دوسة» إن مخرجات الملتقى المقبل ستكون ملزمة لكل الأطراف. وأوضح أن الترتيبات جارية مع الإدارات الأهلية بدارفور لاختيار ممثلين للمشاركة في الملتقى.
كلام الجيش
القوات المسلحة لا تكثر من الكلام بطبيعة عملها وعلى مر الزمان يقول قادتها تعبيراً عن قلة الكلام عندهم إن «البيان بالعمل»، وفي ذلك أكد وزير الدفاع الفريق أول ركن مهندس «عبد الرحيم محمد حسين» خلال لقائه أمس مع مجموعة من عمد ومشائخ سرف عمرة بولاية شمال دارفور، أكد أهمية السير في طريق الحلول السياسية حتى لا يكون المواطن ضحية للنزاعات، لافتاً إلى ضرورة تنسيق وتكامل الجهود من أجل تحقيق ذلك الهدف، وطالب بضرورة دعم ومساندة جهود التسوية السياسية وتقديم المساعدات لبسط الأمن والاستقرار في دارفور.
حاجة أخيرة
قديماً قيل إن الإنسان إذا لم يحكم ما يفكر فيه فكر له الآخرون، وفي الوقت الذي تتجه فيه أفكار الحكومة نحو دارفور فإن آخرين داخل وخارج دارفور يفكرون بشكل مختلف فمن يكسب؟.