رئيس حزب المؤتمر السوداني "إبراهيم الشيخ" في حوار مع (المجهر):
طالب رئيس حزب (المؤتمر السوداني) الحكومة بالاعتراف بفشل منبر “الدوحة”، وعجزه عن تقديم وصفة متكاملة لحل قضية دارفور، بدليل وجود مجموعات قوية وفاعلة خارج المنبر.. داعياً أن يوكل الملف لأعلى أجهزة الدولة، والبحث عن حل يستوعب كل الحركات المسلحة بالتفاوض معها.. وتقديم تنازلات في قسمة الثروة أو السلطة.. وعودة النازحين إلى قراهم. وحذر من إطالة الحرب في الإقليم، الأمر الذي ربما يؤدي إلى عواقب وخيمة.
(المجهر) جلست إلى الأستاذ “إبراهيم الشيخ” وطرحت عليه العديد من الأسئلة الساخنة فإلى مضابط الحوار.
} ما هو موقفكم من الحوار الوطني؟
– أولا الشكر لصحيفة (المجهر)، ولك الأخ الصديق “صلاح”. الحوار انطلق منذ يناير الماضي، وتباينت الرؤى حوله من قبل الأحزاب، فهناك من تعجل الخطى، واستمع إلى خطاب الرئيس بمحاوره المحددة، بينما آخرون ونحن من بينهم – (حزب المؤتمر السوداني) – كانت لديهم وجهة نظر محددة، وهي أنك لا تستطيع أن تنتقل من حالة إلى حالة بهذه السرعة، ولا تستطيع أن تثق بهذا النظام بين عشية وضحاها، وهو الذي ضيق الحريات ومنع الأحزاب من ممارسة نشاطها إلا داخل دورها، وحرمها الالتقاء بجماهيرها في الساحات العامة، وغير ذلك. وبالتالي نحن قلنا إنه لا بد من تهيئة المناخ بشكل واضح وصريح، وحددنا طبيعة ومتطلبات تهيئة المناخ.
} ما هي هذه المتطلبات؟
– تجميد وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، والحكومة القومية الانتقالية، كما طالبنا ببرنامج محدد جداً وفترة انتقالية محددة يتم فيها الانتقال من حكومة (المؤتمر الوطني) إلى حكومة (كل أهل السودان).
} وكيف هي الصورة من وجهة نظرك؟
– الموقف سجال بين الذين يظنون أنهم يستطيعون محاورة النظام من داخل الغرف وحول الموائد المستديرة، وبين الذين يطالبون بتهيئة المناخ. والآن هناك مؤشرات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن مطالبنا كانت هي المطالب السليمة، وكان ينبغي أن تحدث أولاً لتأكيد أن النظام جاد في التحول من حالة إلى حالة.
} الرئيس ما زال يلتقي بالقوى السياسية.. وقد التقى (الناصريين) الذين قبلوا بالحوار.. هل من المرجح أن يلتقي بكم لاحقاً؟
– نحن تلقينا دعوة من الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل”، الذي طلب منا الالتقاء بالرئيس “البشير”، وإدارة حوار معه حول محاور خطابه. ونحن قمنا بالرد على الخطاب، وأوضحنا أننا من حيث المبدأ لسنا ضد الحوار، ولكننا مع حوار منتج يفضي إلى أهداف محددة، وينقل البلاد من حكومة الحزب الواحد إلى حكومة قومية انتقالية ذات برنامج محدد. أما الذين يحاورون النظام الآن، فنحن لدينا يقين جازم بأن كل هذه المجموعات كلها، إما موالية للمؤتمر الوطني بشكل أو بآخر، أو هي تتقاسم معه.
} مقاطعاً: هل ذلك ينسحب حتى على (الناصريين)؟
– هذه المجموعة من (الناصريين) – مجموعة “مصطفى محمود” – لم نسمع لها صوتاً منذ (10) أو (15) عاماً، ولم نر لها منبراً، ولم نسمعها تعترض على سياسات، ولم نرها في أي مشهد سياسي. وبالتالي يستطيع النظام أن يخلق العديد من هذه المجموعات كما أفلح من قبل في صناعة مجموعات من (أحزاب التوالي). والآن يستطيع النظام أيضاً أن يصنع أحزاباً جديدة ويدعي أنها أحزاب معارضة ويتحاور معها. هذه حالة من الحوار أبدعها النظام وأتقنها، وواضح أنه ذر للرماد على العيون. النظام يريد أن يضحك على الناس وإيهام أهل السودان والمجتمع السوداني بأن هذه أحزاب معارضة وبالتالي يتحاور معها، مع أنه معلوم أن أحزاب المعارضة موجودة داخل (قوى الإجماع الوطني)، وبالتالي فإن أي أحزاب أخرى غيرها يفاوضها (المؤتمر الوطني) خارج هذا السياق، تكون من بنات أفكاره، وهو في ذلك حر تماماً.
} بعض قوى التحالف نفسها أبدت رغبتها وبدأت الحوار مع الحكومة بالفعل؟
– نحن لدينا رأي واضح في ذلك، كما قلت لك، فالذين وافقوا على الحوار إما أنهم من صنع النظام أو موالون له، أو أنها أحزاب تتقاسم المشروع مع (المؤتمر الوطني).
} مقاطعاً: هل (المؤتمر الشعبي) موالٍ للنظام؟
– ما الفرق بين (المؤتمر الشعبي) و(المؤتمر الوطني)؟ المؤتمر الشعبي خرج من عباءته (المؤتمر الوطني)، و(الوطني) نفسه من تصميم وإعداد وسيناريو وإخراج “شيخ حسن” الأمين العام لـ (الجبهة الإسلامية القومية). وبالتالي أن يعود “الشيخ” لقواعده سالماً فذلك أمر طبيعي.. وحزب الأمة…
} مقاطعاً: ولكنه عضو أساسي في التحالف، ومعلوم معارضته، وحتى الأمين السياسي”كمال عمر” هو المتحدث باسم (تحالف المعارضة)؟
– الحمد لله أنك ذكرتني بالأخ “كمال عمر”، وهذه سانحة طيبة أن نقول له: (لا أسكت الله لك حساً يا أخ كمال عمر)، ففي مثل هذه الأحداث التي تشهدها البلاد كان صوتك عالياً.. وقد بحثت عنك في كل الصحف و(الأسافير) وفي كل المواقع فلم أجد لك صوتاً. وهذه هي أزمة البلاد الحقيقية، أن تتصدى للدفاع عن الحريات أحزاب ومجموعات.. وفي منعطفات محددة يبيعون قضاياهم ومواقفهم، ويبيعون أصواتهم ويندغمون داخل أجهزة النظام.. وهذا ما يحدث الآن، ولذلك نحن نفتقد صوت “كمال عمر”، ونقول له: (أين أنت يا رجل)؟
} هل اختلاف أحزاب التحالف دليل على ضعفها أم العكس؟
– الاختلاف شيء طبيعي بين قوى سياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولكن هنالك برنامج حد أدنى متفق عليه، هو برنامج (البديل الديمقراطي) الذي شاركت فيه كل القوى كبرنامج مقبول يمثل خارطة طريق للفترة الانتقالية، عقب فشل الدولة السودانية وأيلولتها للسقوط، ليخرج البلاد إلى بر الأمان.
} بشكل واضح.. ما هي المطلوبات التي ينبغي أن يفي بها المؤتمر الوطني لإنجاح الحوار؟
– الانخراط مع (المؤتمر الوطني) في حوار مباشر أهم أمر فيه هو إقرار هذا الحزب واستعداده الطبيعي للتحول الديمقراطي، وإقراره الصريح بأن البلاد محاصرة تماماً في علاقاتها الخارجية وفي محيطها الأفريقي والعربي والأوروبي، ومع الولايات المتحدة الأمريكية، والعلاقات متوترة إن لم تصل حد الحرب. هذا هو التشخيص السليم للوضع الراهن، والإقرار بذلك أمر مهم جداً، والوصول لهذه القناعة يولد الرغبة في الخروج. فمصادرة الحريات أقعد بالبلاد وأحدث بها الشلل، والحرب الآن تستنزف موارد البلاد ووقفها أمر لا بد منه. ولا بد من مصداقية في التعاطي مع المحاور المطروحة.
} هناك حديث عن اتجاه قوى دولية لتفكيك النظام عبر الحوار، ومبادرات إقليمية من جهة لحل القضية؟
– الشيء المؤسف هو أن المجتمع الدولي أصبح واقعاً ورقماً في الأزمة السودانية، وحيثما تلفت في جبهات الحوار العديدة، سواء أكان ذلك في”الدوحة” أو “أديس أبابا” أو”أبوجا” من قبل، أو اتفاق السلام الشامل.. كان هناك المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية والمبعوثون الدوليون الكثيرون. وبالتالي أضحى السودان لا يستنكف مشاركة المجتمع الدولي، وفي هذا الصدد طرحت مبادرة من القوى السياسية، ومن “مبارك الفاضل”، أن يكون “ثابو أمبيكي” وسيطاً في التفاوض السياسي والتسوية الشاملة، وذلك كله مرده لفقدان الثقة في (المؤتمر الوطني) من غالب الأحزاب السياسية والأحزاب المعارضة، نتيجة للتجارب التي خاضوها معه وعدم احترامه للمواثيق والعهود التي وقعوها معه، وبلغت (42) اتفاقاً، تم خرقها كلها من قبل (المؤتمر الوطني)، ولم يحترمها. وبالتالي فإن هذا الرصيد الكبير جداً من أزمة الثقة هو الذي استدعى مشاركة المجتمع الدولي، فهو الذي يستدعي الآن آليات محايدة لإدارة الحوار، وحتى التسميات العديدة التي تطرح الحديث عن فرد بعينه محايد ليكون مشرفاً على أمر الحوار، فإن ذلك بات أمراً مستبعداً، لأن الناس ما عادوا يثقون في أي جهة لها علاقة بالمؤتمر الوطني، من بعيد أو من قريب. وبالتالي أمر طبيعي أن تتداعى كل القوى السياسية لتنشد تدخل المجتمع الدولي، ليكون مديراً للحوار وموفقاً للأوضاع.
} إذن أنتم تطالبون بتدخل المجتمع الدولي سياسياً بين السودانيين؟
– الآن دعوة الحوار هذه انطلقت قبل ثلاثة أشهر، والجميع تائه ومرتبك، ولا يستطيع أن يبادر ويخطو خطوات إلى الأمام، و(المؤتمر الوطني) نفسه وباعترافه لا يملك مشروعاً للحوار الوطني، بدعوى أنه لا يريد استفزاز القوى السياسية ولا يريد أن ترفض القوى السياسية مشروعه المقدم، ولكن كل ذلك غير صحيح، وكلمة حق أريد بها باطل، فبما أنك حددت محاور الحوار وأوجزتها في (السلام والحريات والاقتصاد والهوية)، ينبغي أن تقدم تصوراً مغايراً لهذا الحوار وأجندة مختلفة لمأساة المؤتمر الوطني طوال (25) عاماً ماضية، ما يجعل الآخرين يثقون أن ثمة تحول في ذهنية وتركيبة (المؤتمر الوطني)، فإذا ما عجز هو وكذلك الأحزاب الأخرى كحزب المؤتمر الشعبي وحزب الأمة القومي، عن تقديم مشروع قومي أو وطني، يمثل خارطة طريق لحل الأزمة، فبالتالي نحن نحتاج لوسيط أو للمجتمع الدولي ليكون طرفاً محايداً بين الطرفين.
} كيف يحدث ذلك ؟
– يقدم كل طرف تصوره.. يقدم (المؤتمر الوطني) ورقته، بينما تقدم القوى السياسية مشروعها الكامل، ومن ثم يتم التقارب بين المشروعين والتزاوج بينهما عبر دمجهما في مشروع وطني واحد، يمثل برنامجاً للمرحلة الانتقالية ويكون أساساً للدستور القادم، ومن ثم تكون هنالك فترة انتقالية. وسوى ذلك لن تكون هنالك جدية في الانتقال من سنوات (الإنقاذ) و(المؤتمر الوطني) العجاف إلى آفاق أرحب وإلى سودان جديد.
} كيف قرأت حظر السعودية جماعة (الإخوان المسلمين)؟
– في تقديري أن قرارات (المملكة العربية السعودية )أرادت بها تأمين موقفها الأمني ومحاصرة هذه الجماعات، وبخاصة (جماعة الإخوان المسلمين) التي بدأت تنشط هناك. السعودية والإمارات والبحرين والكويت أدركت بوعيها الثاقب ونظرتها العميقة خطر هذه الجماعات.
} مواقفك واضحة ومعلومة وأنت (تاجر) ولك مصالحك الاقتصادية.. ألا تخشى من العواقب؟
– الرازق والمانع هو رب العباد، وأنا دائماً ما أقول إنه سبق لهذا النظام أن طردني من الخدمة المدنية وحرمني الوظيفة في العام (1992)، وكان يظن بذلك أنه يسد الآفاق أمامي ويدفعني دفعاً للانكسار ومن ثم احتوائي. ولكن دائماً هنالك رب حافظ، وهذه مناسبة طيبة لأتساءل لماذا كلفة العمل السياسي في السودان غالية؟ على الإنسان أن يدفع فيها فاتورة عالية جداً. وأنا في يناير الماضي كنت ذاهباً إلى “دبي”من أجل بعض أعمالي التجارية والاقتصادية، فتم منعي من السفر، ولا زلت ممنوعاً من السفر إلى أي بلد في العالم. أنا لا أقول إني لست خائفاً لكني أحب بلدي ومؤمن بقضيتها و(المكتوب في الجبين لابد تشوفو العين).
} كيف تقرأ التصعيد في دارفور؟
– آن الأوان أن نعترف ونقر بفشل منبر “الدوحة” وعجزه عن تقديم وصفة متكاملة للحل، بدليل وجود مجموعات قوية وفاعلة خارج منبر “الدوحة” ومنبر التفاوض.. وبالتالي فإن الإمعان في الخديعة آن له أن يتوقف، وينبغي الإقرار بفشل “أمين حسن عمر”، وأن يوكل الملف لأعلى أجهزة الدولة، والبحث عن حل يستوعب كل الحركات بالتفاوض معها.. وتقديم تنازلات في قسمة الثروة أو السلطة، وعودة النازحين إلى قراهم. وبخلاف ذلك ستطول الحرب بما يؤدي إلى عواقب وخيمة.
} كيف تنظر إلى هجرة العقول بكثافة؟
– على الحكومة أن تفتح الآفاق واسعة للمشاركة، فذلك من أمر الدين، وهذه الحكومة رفعت شعارات وذهبت بعيداً عنها. انظر للبلاد الآن.. كثير من المهندسين والأطباء والكفاءات آثرت الهجرة إلى الخارج، ولا بد أن تصحح الحكومة أخطاءها التاريخية.