حوارات

وزير المالية والاقتصاد والقوى العاملة بولاية القضارف د."معتصم هارون" لـ(المجهر): (1 – 2)

د. “معتصم هارون” وزير المالية والاقتصاد والقوى العاملة بولاية القضارف من الأكاديميين الذين دخلوا إلى عالم الحكم من بوابة الولاء للمبادئ التي تضمنتها نظريات العلم المختلفة، وهو ما وضعه أمام تيارات السياسة العاتية التي لا تلتزم كثيراً بما يحدده الخبراء في مجالات الاقتصاد. الرجل واجه الكثير من المواقف التي جعلته يدفع باستقالته عدة مرات من منصب وزير المالية، ويؤاثر دائماً الابتعاد عن الأضواء والعمل في صمت.
(المجهر) ألحت عليه لإجراء حوار مطول تنشره في جزئين إبتداء من اليوم.

} حدثنا عن واقع التنمية والخدمات في ولاية القضارف؟
– أول يوم دخلت فيه للوزارة فوجئت بأن الوزارة خزينتها لا تمتلك أكثر من مليونين بالقديم، ووجدناها عليها مديونيات قاسية، وكانت هناك التزامات سياسية خلفت استقطابا حاداً وصراعاً داخل الجهاز السياسي وهذا معني بشكل مباشر بتوفير الإرادة السياسية والبنى لأي عمل نعمله، وكنا نحتاج للاستقرار لأننا حكومة حزب وكان على الجهاز السياسي أن يكون الحاضنة لأنشطة الحكومة.
} ما طبيعة تلك الالتزامات؟
-التزامات مالية وتعاقدية عن خطط التنمية وورثتها الحكومة التي جئنا فيها، كما أننا وجدنا الولاية متعثرة حتى في المصارف، وذلك يحرمها من التمويل المصرفي، ووجدنا عشرات الشركات لديها استحقاقات فيها تعثر، وانتهينا من العام الأول ورتبنا الكثير من المسائل بقبضة قوية ولم يكن أمامنا خيارات سوى القيام بذلك، وكانت كلفة الحكومة قليلة جداً ولم تكن فيها شراكة حزبية ولا عمل دستوري كبير.
} وأين كانت المشكلة أصلاً والرأي العام يعرف أن القضارف من الولايات الغنية بمواردها؟
– بعد إلغاء الضريبة الزراعية تغير الوضع واصبحت القضارف تعتمد على المركز بنسبة (68%) بدلاً عن كونها ممولاً له، وهذا وضع خطير جداً مع إرهاص مشاكل اقتصادية في المركز، ولذلك كان هذا واحد من الأشياء التي ولدت مشاكل كبيرة في الولاية في جانب الخدمات والتنمية، ولذلك كانت الحكومة هنا تضع يدها على قلبها.
} وما هي التزامات المركز تجاه ولاية القضارف تحديداً؟
– الحقوق الأساسية والتحويلات الحتمية، وهذا جاري وتوجيهات الرئيس “البشير” فيه واضحة بأن تحول للمرتبات، ولدينا حقوق في جانب التنمية المخصصة وغير المخصصة، وإذا لم يتم الوفاء بذلك سيكون هناك مشكلة كبيرة وسيضغط على الميزانية المحلية، ونحن لدينا حقوق كبيرة جداً لدى المركز ويستوجبها وضع الولاية وريادتها للعمل والنشاط الاقتصادي، ولدينا في النهضة الزراعية في جانب الطرق فقط أكثر من (500) كيلو متر، لتوصيل المنتج وتقليل كلفة الزراعة.
} هل نفذت الـ(500) كيلو متر من الطرق؟
– لم ينفذ ولا كيلو متر واحد، وهذا أمر خطير، ونحن جئنا ووجدنا البنى التحتية في الولاية غير موجودة، وأخطر ما في موضوع الاقتصاد أننا لم نجد معلومة.
} لم توجد قاعدة بيانات مثلا؟
– نعم، والإدارة الاقتصادية كانت خارج النص، ولذلك أقمنا العرض الاقتصادي الأول لنعرف المؤشرات في الولاية ووصلنا إلى أربعة عروض اقتصادية، وأكملنا قاعدة البيانات في النشاط الزراعي كله في جانب الزراعة وحصر الثروة الحيوانية، وحددنا ما على المركز القيام به واحتياجاتنا من البنى التحتية.
}هناك شكاوى من التهريب في القضارف ويقال إنه يخصم بشكل كبير من الصادر؟
– هذه قضية الدولة ونحن خاطبناها بشكل أساسي وبلغنا بذلك حتى الرئاسة، والعام الماضي كانت المسألة بالنسبة لنا ادعاء لأننا لم نكن نملك المعلومة، ولكن أكثر من (3) ملايين جوال ذرة تم تهريبها إلى دولة جارة، وهذه المسألة ملف متكامل، ولا نستطيع بإمكاناتنا المحدودة تغطية الحدود الطويلة مع دول الجوار، والأخطر من ذلك منع الداخل من المخدرات والسموم وهي ضربت القطاع المنتج عندنا، وقلنا ذلك للنائب الأول السابق وقال إن هذا هو الخطر الماثل، وجمع لنا كل وزراء القطاع الاقتصادي، والجمارك والآن ايضا لدينا تهريب وقود وغاز بطريقة غير عادية، والتهريب من السودان يكون لسلع أساسية حية ومقابلها تأتي المخدرات وتهريب البشر.
} وبماذا خرجتم من النائب الأول بشأن تلك القضايا؟
– نعتقد أن هذه ملفات قائمة حتى اليوم وتحتاج إلى عمل كبير، والنائب الأول وعدنا بأن يجمع وزير الدفاع والداخلية وقلنا له إننا بإمكاناتنا المحلية لن نستطيع فعل شيء وأن المركز إذا لم يفعل شيئاً سنكون خربنا كل ما قمنا بفعله في الفترة الماضية.
} ربما إمكانات البلاد في ظل الضائقة الاقتصادية لا تسمح بذلك؟
– مكافحة التهريب يمكن أن تكون معالجة في حد ذاتها، ثم إن الولاية في جانب حقوقها تنتهج أساليب محددة لأخذها من المركز
} ماذا تقصد بانتهاج أساليب محددة؟
-إن المركز يتعامل مع الولاية بمنهج إدارة الأزمات، في حال ظهور مشكلة المياه وخلافه، ونحن نريد تغيير ذلك ودائما نقول للمركز أننا نحتاج لدفرة بسيطة، والقضارف ولاية إذا منحتها بالشمال تعطيك باليمين أكثر.
} إلى ماذا تحتاج القضارف في ما سمَّيته بالـ(دفرة البسيطة)؟
-وضوح السياسات، وثباتها، والتحدي الأساسي أننا نريد رفع الإنتاجية رأسيا وليس أفقياً.
} وما هي المشاكل التي تمنع رفع الإنتاجية في ولاية القضارف؟
– نريد أسمدة معتمدة وتقاوى ومبيدات في موقيتها المحددة، ونريد آليات وتمويل في توقيته وسياسة سلم أو غيرها في توقيتها، ودائماً هناك فراغ تمويل ويضطر المزارع يتعامل مع السوق بالكسر وخلافه، ما يؤدي إلى ازدياد الكلفة الإنتاجية، وما اتفقنا عليه في جانب رفع الإنتاجية لم يتم الوفاء به، وقالوا إنهم سيملكوا الآليات لمدة (10) سنوات مقدم (10%) ولكن عاد البنك الزراعي وقال (5) سنوات ومقدم (30%)، وكان يفترض أن تصلنا (200) مليون دولار ولكن نفذت فقط (7) مليون دولار، والمخصص حالياً لقطاع الإنتاج صفر، ولابد للحكومة الاتحادية أن تفي بالتزاماتها في جانب تجهيز الحفائر والطرق الزراعية ومراكز نقل التقانة والكوادر الإرشادية في الزراعة، ونحتاج إلى كهربة كل المشاريع في المدى الطويل لتقليل الكلفة، وقلنا إننا نلتزم بما نتعهد به خلافا لمناطق أخرى في السودان تأخذ أكثر مما تعطي.
} كان معكم في القضارف الرئيس “البشير” مرتين في الشهر الماضي، ألم توضحوا له تلك المشاكل؟
-هو يعلم بهذه المشاكل، وجاء معه مباشرة وزير المالية الجديد ووزير الزراعة الجديد، واجتمعنا معهم، وطالبنا بثبات السياسات وسلمناهم مذكرة من اتحاد المزارعين بمشاكلنا كلها، وحددنا الحلول، وقلنا إن السلم تم رفعه للقمح، ولدينا مشاكل في كلفة الوقود في ظل ضعف العمالة وزيادة استخدام الآلة، وحتى اللحظة التي اتحدث فيها لم يصلنا ولا جوال من السماد، وهناك شركات استخدمته ووضح لنا الفرق في الإنتاج، وإذا الحكومة وفرت سماد مدعوم سترفع الإنتاج والعام القادم سيشتري المزارع وحده، وأخطر السياسات الآن هي السياسة التسويقية وهناك غياب معرفة التكلفة والتسويق، ونحن نريد سلعة نكفل لها القدرة على المنافسة وأن نزرع من أجل الصادر وإذا لم نجوِّد سنفقد الأسواق المتاحة حالياً، ومنتجاتنا كلها مرغوبة عالمياً، وسمسم القضارف مسجل عالميا رقم واحد، وخططنا لمساحات الزراعة للسمسم وزهرة الشمس ولكن هزم القضية عدم وصول التمويل، والمبيدات، وعندما التقينا بالنائب الأول السابق قلنا له مشاكلنا وسأل وزير الزراعة السابق وقال إن المبيدات موجودة وطلبنا منه إن تصلنا في القضارف مباشرة وقلنا اننا غير معنيون بالصراع الاتحادي في قضية المبيدات، والآن برميل المبيد ارتفع من (9) آلاف إلى أكثر من (40) ألفاً، وطن تقاوى زهرة الشمس من (18) إلى (86) ألفاً، ومن يزرع بذلك؟. والآن لا يوجد تسويق لزهرة الشمس.
} لماذا وقف التسويق لزهرة الشمس؟
– هذا ما طرحناه على وزير المالية، وقلنا إن صافولا منحت امتيازات، ورهنت زهرة الى احتكارات معينة، وإذا لم تتحول إلى بورصة سنظل في هذا الاطار التقليدي ويمكن ان يلتقي اربعة او خمسة تجار ويتفقوا على سعر معين وبذلك تهزم قضية الانتاج، والحل في تحويلها الى بورصة بحيث يكون التسويق الالكتروني، وبدأنا في ذلك المشروع.
} وأين وصلتم في مشروع التسويق الإلكتروني؟
– المشكلة أن فيه شراكة هو الآخر.
} مع من الشراكة؟
مع وزارة التجارة الخارجية وسوق الخرطوم للأوراق المالية، والبورصة، ونحن الآن في إطار مشروع كبير، وأوفدنا كادراً ليتدرب على ذلك في الخرطوم، ووضعنا هذا مع جوارنا في إثيوبيا نجد أنهم متقدمون جداً ولديهم بورصة ولك ان تقرأ انهم كيف يسيرون بقوة في ظل وجود اشكالاتنا، ولابد ان نحدث الخارطة الاستثمارية لدينا لتوضح الرؤية والخارطة لنعالج مشكلة الماعون الايرادي الواحد، ونحن نعتقد ان الخارطة الاستثمارية تحتاج إلى تحديث ونفتكر ان العلة الآن في قانون الاستثمار الجديد.
} (مقاطعة).. وما العلة في قانون الاستثمار الجديد؟
– سلب حقوق ولائية ويمكن اتحاديا ان يتم التصديق على مشروع هنا في القضارف دون ان تكون الولاية على علم به او بجدواه الاقتصادية، وهذه واحدة من المشاكل التي خاطبناها في مؤتمر الولايات في قضايا الاستثمار، وهناك ايضا مشكلة الاراضي ونحن لدينا قطاع بستاني ثري جدا يبدأ من الفاو في أكثر من ( 200) كيلو مترا وواحدة من إشكالاتنا أننا لا نستطيع توصيل الطرق لنقنع بها المستمثمر ليدخل في بيع أو شراء أو إيجار أو شراكة مع القطاع العام والخاص، ولا نريد الدخول في التجارب السابقة ولا نريد أن يغرق المستثمر في شبر موية، وإنما نسعى لمنحه مزايا تفضيلية في الاستثمار.
} في تلك المشاكل ألم تتواصلوا مع المجلس الأعلى أو وزارة الاستثمار؟
– النائب الأول السابق في آخر اجتماع معه وجه الدكتور “حسبو” ووقتها كان وزير الحكم اللامركزي بضرورة الجلوس لمعالجة تلك المشكلات، ونحن لدينا مشكلة مع وزارة الاستثمار ولدينا مشكلة كبيرة جدا مع وزارة المعادن وذلك ايضا للزهنية التي تدار بها مسألة المعادن وهذه اشكالات كبيرة جدا.
} هل تمنح الولاية نصيب من عائدات المعادن المستخرجة من اراضيها؟
– منذ عامين أدخلنا التعدين الأهلي في خزينة الولاية من محلية البطانة وفي هذا العام ستدخل محلية قلع النحل، لكن يقال لنا إن الولاية منحت مربعا واحدا والباقي اتحادي، وكذلك المخلفات المسماة بـ(الكرتة) يقولوا كلها اتحادية، ونسأل كيف يزال الأثر من القطاع الرعوي في أراضينا؟، والآن ما عادت البطانة كما نعرفها نحن كمنطقة رعي، والآن لدينا إشكالات أمنية في البطانة تكلف خزينة الولاية تكاليف باهظة.
} ما طبيعة المشكلة الأمنية في البطانة؟
– ظهرت بكاسي تنهب وتقتل وتهدد في القطيع الفلاني وكذا ونحن نشكر إخواننا في الشرطة انفعلوا مع هذه الظاهرة بشكل كبير، ويمكننا القول إن هذه المسألة تم القضاء عليها بشكل كبير ولكنها تحتاج الى متابعة ولدينا أيضاً ملف تهريب البشر وندخل فيه نحن وولاية كسلا، وهو فوق طاقة شرطة الولاية لكن أثره ينعكس على جميع انشطتنا، وأول الانعكاسات وقوف العمالة الإثيوبية الى جانب انعكاساته الامنية والانسانية وهذا كله يلغي بظلال على الموارد رغم شحها والفصل الاول يأخذ منها 54%.
} الفصل الأول ألا يتم سداده اتحادياً؟
– لا يوجد شيء اسمه سداد اتحادي، وإنما الولايات لديها حقوق في الاتحادية، ويتم الوفاء بها وهذه واحدة من الإشكالات التي رفعنا فيها صوتنا عاليا، وطالبنا بالقسمة العادلة للموارد وكانت هناك ثلاثة مستويات للحكم الأولى الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب والحكومة الولائية والحكومات المحلية. الآن الجنوب خرج وهناك ماعون تصب فيه الموارد المحلية من ضرائب وجمارك والقيمة المضافة وعائدات البترول والقروض والمنح والاستدانة الداخلية وهذا كون له بالدستور مفوضية تخصيص ومراقبة الايرادات وهذا الماعون فيه وزارء المالية وهذا يقسم الآن بين المركز والولايات والنسب على الورق (70) إلى (30) ويفترض أن تتحرك بناء على المعايير الدولية وتصبح مناصفة لأن كثيراً من المهام والاختصاصات تحولت إلى الولايات واصبحت الوزارات المركزية مهامها في الولايات، وعندما نأتي في الواقع لنراجع تلك النسبة نجدها (20) إلى (80)، وهذه حقوق الولايات ولكن يسمونها منح، وهي حقوق اصيلة، والآن لدينا اختلال في معايير تقسيم تلك الإيرادات في المستوى المركزي وفي الولاية.
} على مستوى الولاية هناك شكاوى من عدم وجود عدالة في توزيع مشاريع التنمية بين المحليات؟
– طبعاً نحن نشكو من المركز وهنا المحليات تشكو منا.
} أنتم تمثلون مركز الولاية؟
-هذه تعالج بإنشاء مجلس تخصيص موارد هنا، وأول الاختلالات الموجودة أن المحليات قائمة على عدم معيارية وجميعها تدفع رواتبها من وزارة المالية، ولا توجد محلية واحدة تستطيع أن تسير نفسها من مواردها.
} لماذا لا يتم تقليص المحليات؟
– عندما استفتونا قلنا إن الولاية يجب أن تقوم على ثلاث محافظات فقط.
} ولماذا لم تنفذوا ذلك وأنتم في حكومة الولاية؟
– هذا أمر اتحادي وكونت له لجنة لتنظر فيه ويحتاج لقرار سياسي، ولكن دعني أتحدث عن التنمية ونحن عندما جئنا وجدنا واقعا مذريا فيها، ويعبر عن ذلك بقراءة مؤشرات الأحياء بمدينة القضارف التي كان فيها (48) حي واليوم فيها (118) وغدا يمكن أن تصل إلى (120) أو أكثر، وهؤلاء نزحوا من كل المحليات بسبب عدم وجود الخدمات، وخطورة هؤلاء أنهم يمثلون القطاع المنتج في ولاية القضارف وبحضورهم قل الإنتاج وأصبحوا هم متلقو للخدمات.
} لماذا لا تقوم الحكومة بنقل الخدمات إلى الريف والأطراف لتعيد هؤلاء؟
– هذه نظرة صحيحة، وعندما جئنا نفذنا مع الاتحاد الأوروبي مشروعات بمنهجية وعلمية، وأجرينا مسوحات للفجوات التنموية في كل المحليات وعلى مستوى (50) عاما بعد تشريح واقعها ومستقبلها، والآن هذا هو منظور التنمية ولابد أن تعود كل هذه القطاعات ووجدنا تبايناً كبيراً والبطانة ظهر فيها الذهب واصبح فيها مدارس ومراكز صحية أكثر من عدد الناس الموجودين، وبالتالي أوقفنا تلك المشاريع وجلبنا الأموال إلى خزينة المالية في الولاية لنعمل بها في محليات أخرى، والمعيار عندنا جغرافياً وقطاعياً بعد تحديد أولويات التنمية من المحليات نفسها، والتنمية نفسها ظلت فوقية وهذه واحدة من مشكلاتنا مع صندوق إعمار وتنمية الشرق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية