رأي

«كمال عبد اللطيف» .. إخراج الذهب في اللحظة العصيبة!!

كان حجم اللوعة والمأساة مهولاً يفوق التصورات والإدراك على صعيد الموقف الاقتصادي فور إعلان انفصال الجنوب، الذي نتج عنه فقدان (55%) من حجم إيرادات الميزانية في السودان الشمالي وانخفاض قيمة الصادرات بنسبة (75%) وبذلك ظهرت المعطيات السلبية على الميزان التجاري للبلاد.
على المستوى السياسي، كان الانفصال الذي حدث في 9 يوليو 2011م يمثل جرحاً عميقاً في دواخل عشاق الوحدة في الشمال والجنوب، وبذات القدر كانت النتائج عن الجانب الاقتصادي والأحوال المعيشية لا توصف من الناحية الكارثية، فقد لاحت البوادر المظلمة التي تأطرت في عوامل الغلاء والتضخم والفقر والتوترات الاجتماعية والنفسية.
من وحي هذا الواقع المرير في تلك الظروف، كان لابد من خطوة مفصلية تتوكأ على دفتر التاريخ، تكسوها إيقاعات الذكاء والعشم، وتتجاوب مع خلجات النفوس وطموحات المغلوبين لتكون الرافعة القوية التي تفتح الطريق إلى رحاب الأمل وتلمس الخطوط التفاؤلية على سير الأوضاع الحياتية.
هكذا انداحت خطوات الأستاذ “كمال عبد اللطيف” وزير المعادن يومذاك من خلال إجراءات عملية وإستراتيجية وهو يقدم للمواطنين السودانيين (الذهب)، أسطورة العملة الصعبة، المستحوذ على قلوب البشر والبيوتات التجارية العالمية والحكومات على نافذة الصادرات من خلال بريقه اللامع وخصائصه النفيسة على مر التاريخ.
وبقدر ما أذهلت جهود “كمال عبد اللطيف” المضنية الكثيرين حول استخراج الذهب في اللحظة العصيبة، فإن البعض كان يتحدث عن جسارة الخطوة وأبعادها في إحلال الذهب على مقعد البترول على طريق دعم الميزان التجاري والميزانية العامة في المرحلة الحالية.
لقد وجد الوزير “كمال عبد اللطيف” نفسه أمام تحدٍ كبير ومسؤولية ضخمة حين فقد السودان إيرادات البترول بعد انفصال الجنوب، فالثابت أن الرجل تلمس ويلات تلك التطورات مثلما يسمع البحر أنين الحيتان في الأعماق، فكانت تلك العملية المدروسة والتحرك الواعد والقرار الصائب الذي أدى إلى استخراج الذهب في لحظة فاصلة كضربة سيف قاطعة انعكست إيجاباً على الأوضاع الاقتصادية، حيث كانت حصيلة صادرات الذهب أكثر من ملياري دولار في العام الفائت 2013م.
لم يكن “كمال عبد اللطيف” أول دستوري يهتم باستخراج الذهب، فقد كان هنالك وزراء تعاقبوا على مقعد حقيبة المعادن تباروا على هذا المنوال، غير أن “كمال عبد اللطيف” اتسم منهجه بالجرأة والانضباط وسبر الأغوار والتصميم والبرغماتية، وركز جهوده على إعداد خريطة التعدين من زاوية الحداثة والعصرية، وبنى علاقات واسعة مع الشركات الاستثمارية الخارجية في مجال المعادن، وكان له اهتمام واضح ومدروس بالتعدين الأهلي والرسمي من خلال شبكات متنوعة وكثيفة، فضلاً عن قيامه بتأسيس رقابة مشتركة حول عمليات التعدين بين وزارته والسلطة المعنية.
واجهت الوزير “كمال عبد اللطيف” العديد من الصعوبات والإشكاليات والانتقادات في مجال التعدين، لكنه عالج بعضها في حين لم يهتم بالنواحي الأخرى، فكان ينظر إلى إنجازاته كآلية للرد على الذين يهاجمونه!! سيما بعد قيامه بإنشاء مصفاة الذهب التي تعدّ الثانية في أفريقيا من حيث الكفاءة والحداثة، ويقال إنها تتسم بمزايا تساعد على زيادة عائدات تصدير الذهب، علاوة على الاحتفاظ به كجزء من مكونات النقد الأجنبي.
يرى الكثيرون أن خروج “كمال عبد اللطيف” من وزارة المعادن مسألة طبيعية لا تعد بدعة أو عملاً غريباً، فالشاهد أن إعفاء الوزراء وعودتهم إلى مواقع أخرى هي واحدة من الإجراءات العادية في القاموس السياسي، بل هنالك من يرى أن خطوة الإعفاء ربما تكون استراحة محارب، أو معالجة طارئة في حبل التوجهات العامة.
مهما يكن، فإن الاحترافية السياسية وفرت مقومات النجاح للوزير “كمال عبد اللطيف” في وزارة المعادن ذات الطابع الفني والتخصصي، فالاحترافية السياسية تجسد حسابات الواقعية والقياسات الدقيقة التي لا تكسر الجدول.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية