أخبار

دعوها تعيش!!

وهي تذرف الدمع حدثتني عن المضايقات التي تتعرض لها في بيتها وشارعها ومكان عملها..!
ولأنها لم تفعل شيئاً تستحق عليه هذه المضايقات سوى أنها فتاة (عاملة)، ويستدعي عملها أن تقضي وقتاً طويلاً خارج بيتها وعودتها تكون غالباً متأخرة بعض الشيء، فإنها شكت لي نظرة البعض المتخلفة إلى وضعها..!
قالت لي إن أقرب الناس إليها من أهلها وأصدقائها لا يصدقون أنها تعمل بالفعل في معرض للأثاث، وأنها تتقاضى عن هذا العمل الشريف مرتباً شهرياً إضافة إلى (عمولة) عن كل المعروضات التي تنجح في بيعها..!
وأضافت إن أخوتها يعملون أيضاً، ويرون أنه لا داعي لأن تعمل طالما أنهم يوفرون لها ما تحتاجه من مصروفات.. لكنها ظلت تؤكد لهم أنها تريد أن تصرف على نفسها بنفسها، وأن تكون إنسانة (منتجة) بدلاً عن أن تجلس في البيت وتهدر وقتها في أشياء لا فائدة منها..!
استوعبت تماماً وجهة نظر هذه الفتاة التي تريد أن تكسب رزقاً حلالاً من خلال عمل شريف.. واستوعبت أيضاً أن ثمة نظرة (رجعية) ما زالت تعشعش في أدمغة البعض الذين دفعتهم شكوكهم الخاطئة إلى تجريم الجميع ووضعهم في سلة واحدة هي (الخطيئة)..!
لماذا ننظر إلى كل الفتيات (العاملات) خاصة صغيرات السن ممن لم يكملن تعليمهن الجامعي أو حتى أكملهن، باعتبار أن خروجهن من البيت يعني فقط الذهاب في الطريق السيئ؟! وهل ما نشاهده ونسمعه من قصص عن انحرافات سلوكية اعترت المجتمع يعني تعميم هذه النظرة على كل اللاتي يخرجن من بيوتهن طلباً للرزق الحلال..؟!
صحيح أن هناك مشكلة أخلاقية حقيقية تطل كشبح مرعب حين نستعرض بعض الأرقام والإحصائيات، ولكن المنطق يدعونا إلى عدم الزج بالسواد الأعظم من الفتيات في منظومة السقوط الأخلاقي، حيث علينا دائماً أن نفترض حسن النوايا لا سيئها، وأن نتذكر أن بعض الظن أثم، وأن لا نأخذ الأبرياء بشبهة المخطئين..!
إن محاولة البعض لإطلاق المخاوف الزائدة عن حدها، ومحاولة تجريم مجتمع بكامله وتجريده من واجباته وحقوقه في التعليم والعمل تحديداً يعد جريمة اجتماعية مكتملة الأركان، لأن الأصل هو افتراض العكس تماماً، طالما أننا جميعاً نشكل ظاهر ومحتوى هذا المجتمع الذي نعيشه ونفاخر بموروثه وعاداته وتقاليده التي ما زلنا نجزم بأنها أقوى من أي متغيرات ومستجدات، وفيها من القيم والمثل ما يستقوي على الظواهر الدخيلة والطارئة التي وإن وقع في فخها البعض فإن الأكثرية تعي تماماً الغي من الرشد والصالح من الطالح..!
الفتيات العاملات أو الموظفات، وباختلاف المهن التي يمارسنها، جديرات باحترامنا وتقديرنا، وليس المضايقة والملاحقة وقطع الطريق أمام كسبهن الشريف والحلال.. علينا أن ندعهن يعشن طالما أنهن اخترن العمل الذي يوفر لهن العيش الكريم.. فهذا أفضل من أن يتحولن إلى فريسة سهلة للفراغ.. والضياع..!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية