المشهد السياسي

واشغل (أعدايا) بأنفسهم..!

في عهد الفصام والخلاف الكبير بين أكبر طائفتين في البلاد، هما طائفة الختمية وطائفة الأنصار، كانت للأولى ترانيم ودعوات من بينها (واشغل أعدايا بأنفسهم) بل كانوا يزيدون عليها و(ابليهم ربي بالمرج..!) ومضى على ذلك وقت طويل لم نعد نسمعه، بل العلاقة انتهت إلى تواصل وشراكة في الحكم والقرارات الوطنية الكبرى كقرار الاستقلال.
اليوم، وقد نسينا ذلك ومضى عليه زمن طويل، نعيد ذكره في ظرف نجد فيه الدولة العبرية (إسرائيل) وحلفاءها يرددون ذات العبارة (واشغل أعدايا بأنفسهم وابليهم ربي بالمرج..!) والفوضى والاضطراب. وأعداء إسرائيل وحلفاؤهم نحن العرب والمسلمون الذين ظللنا في حالة شتات وتمزق منذ ما حدث في الجمهورية الصومالية وبقي بربع قرن من الزمان – تقريباً.
وأخذ ذلك بعد انفراد القطب الأوحد في العالم وتضامنه ودعمه لإسرائيل دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً أشكالاً مختلفة وجديدة، نلمسها في كل بلد عربي أو مسلم، وبخاصة في فلسطين وجمهورية السودان قبل انقسامها إلى دولتين، إذ كان للدولة العبرية في جمهورية جنوب السودان الوليدة أول سفارة أو موقع دبلوماسي باتت تحرك منه مصالحها في منطقة شرق ووسط أفريقيا، وفي جمهورية السودان التي لم يكن ما جرى فيها كافياً بل يتعين أن تتبعه أمور أخرى، من أولها عدم الاستقرار الأمني وتمزيق النيل الأزرق، حيث يجري التفاوض بشأنهما اليوم ولم يصل إلى نتيجة. والتركيز على السودان في سياسة عدم الاستقرار واستغلال الموارد ومطاردته وملاحقته اقتصادياً ودبلوماسياً وسياسياً هي سياسة معتمدة، وربما امتدت آثارها إلى آخرين ممن يعتبرون رافداً ومعيناً للدولة السودانية، وإيذاء الدولة العبرية – إسرائيل، فما تحظى به جمهورية السودان من موارد وإمكانيات زراعية واقتصادية ومائية يجذب إليها البعض، ويخرج البلاد العربية من الاعتماد على الغير.. وقد كانت آلية ضغط كبرى ومؤثرة على البلاد التي تعوزها الموارد. فالدولة العبرية تريد أن تبقى على الجميع تحت سيطرتها.
إن العالم العربي اليوم معني ومشغول بما يجري داخله وفي محيطه، فقد ظلت إسرائيل تردد دوماً (واشغل أعدايا بأنفسهم.. وأبليهم ربي بالمرج)..! فهو ليس بمشغول بما يجري فيه وحسب، إنما بما يحدث من اضطراب وقرارات وإجراءات ربما لا تصب في المصلحة العامة.
ذلك أنه منذ قمة الخرطوم للاءات الثلاث في يونيو 1967، التي جمعت الفرقاء من رؤساء وأعيان، ودعمت مصر القضية الفلسطينية بالمال والسياسة والدبلوماسية.. لم يكن هناك مثل ذلك الحدث القومي الكبير الذي أدى إلى النصر في الثالث من أكتوبر 1973 على دولة إسرائيل. بل ما حدث في ما بعد هو النقيض من ذلك تماماً ومن أي جانب نظر المراقب.
فالجمهورية العراقية بعد زوال نظام “صدام” ودخول الشعب في حرب أهلية لم تبق ولم تذر.. وما يجري في سوريا اليوم وفي جمهورية مصر العربية.. كلها مما يؤسف له، شأن ما يجري في جمهورية الصومال، وكان الأمل معقوداً في ذلك كله على أن يلعب (عقلاء القوم) دورهم في احتواء الأزمات في المناطق المذكورة.. وعقلاء القوم هؤلاء هم من كان لهم دورهم في قمة (اللاءات الثلاث) أي الراحلون: الملك “فيصل بن عبد العزيز” والرئيس “عبد الناصر” والسودانيان “الأزهري” و”المحجوب” وغيرهم.
لقد ظلت الجامعة العربية تلعب على ورقة العقلاء هذه.. غير أن الدولة العبرية ظلت ممسكة بمسبحة (واشغل أعدايا بأنفسهم) حتى ذهبت تلك الورقة وذهب معها الكثير من الحكمة والعمل من أجل المصلحة العامة.
وما حدث في مصر مؤخراً بتفاصيله وتفاريعها يؤيد ذلك، ويمشي على ذات الطريق، فمصر الآن بحاجة إلى من يعينها على عبور الطريق إلى العافية، وهي الدولة التي ظلت على الدوام (الدولة الأم) الأكثر عطاءً وتأثيراً.
على أن ما لا يقل عن ذلك – في ما يبدو – هو ما حدث في المجموعة الخليجية من تصدع وعطب دبلوماسي نطقت به الصحف الخليجية والعربية، وإن بدا (خفيفاً) وليس على أثر عميق. فهناك ثلاث دول خليجية كبرى هي القائد والرائد في المجموعة وفي جول الجامعة العربية، جمدت نشاط بعثات دولة قطر الدبلوماسية فيها، وليس طردها كما ذهب البعض.
والدول الخليجية الثلاث المذكورة هي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين، أي أن دولتي الكويت وسلطنة عمان هما اللتان كانتا خارج الصورة. ولعل ذلك ما جعل الرئيس السوداني البشير يلقي إلى دولة الكويت بطلب الوساطة لمراجعة القرار لأنه:
– أولاً: لا ينسجم وفلسفة وإستراتيجية المجموعة الخليجية التي صار لها دورها داخل مجتمعها العربي والمجتمع الإقليمي والدولي.
– ثانياً: إن لدولة قطر وجودها خليجياً وعربياً وإقليمياً، وذلك لإمكاناتها المالية والدبلوماسية المتاحة.
لقد ظلت لدولة الكويت مبادراتها في الشأن الخليجي والعربي والإقليمي والدولي، وعليه فإننا نتوقع رأباً سريعاً للصدع الدبلوماسي الذي حدث. بل المتوقع مستقبلاً هو أكثر من ذلك، فالمجموعة الخليجية بقيادة المملكة العربية السعودية هي التي يعوّل عليها وينتظر منها وليس العكس بحال من الأحوال.
إن الدولة العبرية – إسرائيل – ومن خلفها من لوبيات سياسية وإعلامية أمريكية، ستظل تعمل وتواصل حراكها من أجل زعزعة الاستقرار في بعض الدول وخلخلة القرار في المؤسسات والمجموعات ذات التأثير.. ففي سبتمبر من العام الماضي – أي في الجمعية العامة للأمم المتحدة – سبق للملكة العربية السعودية أن اتخذت موقفاً من تلك الدورة جراء التهميش وعدم الاعتراف للضعفاء بحقهم.. وكانت تلك وقفة مشهودة أشدنا بها وأشاد بها غيرنا في حينها.
فلتوفق دولة الكويت في المضي بمبادرة الرئيس السوداني للوساطة خطوات إلى الأمام.. وبالله التوفيق.. والله نسأله أن يشغل إسرائيل وحلفاءها عنا بأنفسهم ويبليهم بالمرج..!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية