رئيس وفد الحكومة في مفاوضات المنطقتين "عمر سليمان آدم" لـ(المهجر):
بعد الزيارة الأخيرة لرئيس الآلية الأفريقية “ثابو أمبيكي” للخرطوم والتقائه بالقيادة السودانية وبعض القوى السياسية توقع المراقبون أن تصل الحكومة إلى تفاهمات مع قطاع الشمال تفضي إلى اتفاق جزئي يقود إلى وقف إطلاق النار ومن ثم وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين كأقل تقدير تعقبه اتفاقات أخرى فيما بعد، إلا أن الجولة التي رفعت إلى أجل غير مسمى، دعت الوساطة إلى نقل الملف إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي بعد أن اصطدمت بعقبات حقيقية تمثلت في رفع سقف المطالب لدى قطاع الشمال الذي طرح موضوع تدويل قضيته بجانب مطالبته بقومية الحوار، أما الحكومة فقد سارعت لرفض ما طُُرح واعتبرته خروجاً على الأجندة المطروحة والتزامات الوساطة.
هذه النهاية أعادت الأوضاع إلى المربع الأول؛ الأمر الذي يجعل التطورات مفتوحة أمام كل الاحتمالات بما في ذلك العسكرية والعقابية من قبل مجلس الأمن الدولي حال تم رفع الملف إليه.
من ناحية أخرى شهد وفد تفاوض الحكومة تغييرات طالت رئيس الوفد حيث تم اختيار “عمر سليمان” رئيساً للوفد بدلاً عن بروفسور “إبراهيم غندور” ربما في إطار إيلاء الملف إلى أبناء المنطقة.
(المجهر) التقت رئيس وفد التفاوض مع قطاع الشمال “عمر سليمان” في حوار تناول تفاصيل الجولة الأخيرة، فماذا قال؟
} لماذا انسحب وفد الحكومة من جولة التفاوض الأخيرة ؟
-أولاً لم ينسحب الوفد الحكومي من المفاوضات كما يشاع ذلك، نحن رددنا على مقترح الآلية وفق المنهج الذي طلبته الآلية، فالآلية طلبت الرد نقطة نقطة، وفي حال وُُجد تحفظ على نقطة ما خصص عمود لتوضيح المبررات والملاحظات. وفد الحركة أتى برد يمثل اتفاقية جديدة لم تحتوِ على أي بند من مقترحات الآلية ولم يلتزموا بالرد على مقترحات الوساطة، فقط كتبوا رد الحركة الشعبية لتحرير السودان على مقترح الآلية الأفريقية، وهي ذات الورقة التي قدمتها الحركة الشعبية في الجولة الرابعة مع إضافة بعض النقاط على الشأن الإنساني، أما بالنسبة للترتيبات الأمنية فجاء ردهم في بضع سطور، وفي رأيي أن الرد جاء في شكل اتفاقية جديدة في الشأن الإنساني .
} برأيك، لماذا يعطي وفد الحركة الشعبية أولوية للملف الإنساني في جميع الجولات، هل لأن الملف الإنساني هو الأسرع دائماً نحو التدويل ومنابر مجلس الأمن؟
-نحن قلنا لهم إن لدينا قضية فيها جانب إنساني وفيها جانب سياسي، فهم يقاتلون من أجل مطالب سياسية، تحتوي على جانب أمني لأن هناك جيشاً يقاتل، نحن نريد أن تسير المسارات الثلاثة معاً؛ لأننا إذا عالجنا ملفاً وتركنا الملفين الآخََرََيْْن معنى ذلك أن المشكلة ما تزال باقية، مثلاً إذا قلنا لهم إننا سنعطيكم إغاثة لكن دون علاج للوضع الأمني معنى ذلك أن السلاح في أيديهم وستقع عمليات مسلحة، ومتى ما وقعت العمليات ستزداد الحاجة إلى الإغاثة لوقوع متضررين جدد، وبالتالي يجب معالجة القضية الأمنية مع الشأن الإنساني.
} ذكرت أن الحركة قطاع الشمال أوردت في ردها بعض النقاط في الشأن الإنساني، ماذا تحوي تلك النقاط؟
-رفضت الحركة الشعبية الاتفاقية التي وُُقعت مع الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وقد وقعوا عليها قبلنا في يوم 5 / 11 / 2011، وطالبوا باتفاقية جديدة وأن المنظمات الأممية مسؤولة عنها، وأن تأتي المواد الإغاثة والاحتياجات الإنسانية مباشرة دون مرورها عبر المؤسسات الحكومية. معنى ذلك أن الحركة الشعبية تريد إدخال السلاح، ففي حال دخول الإغاثة مباشرة من أوروبا وغيرها دون أن تخضع للرقابة معنى ذلك وجود نية مُُبيََّتة، ثم رفض الحركة لوقف إطلاق النار يعني أن الحركة تريد بناء جيشها. هناك تجربة سابقة في شريان الحياة التي استمرت لاثني عشر عاماً، لكن نحن نريد عونا إنسانياً يوصِّل الغذاء والدواء في فترة وجيزة، وفي الوقت ذاته نعمل الترتيبات الأمنية المختلفة.
} ماذا بخصوص الشق السياسي، والحركة ذكرت أن وفد الحكومة لا يحمل رؤية واضحة خاصة بالشق السياسي ؟
-الحركة الشعبية ذكرت أنها تريد مناقشة شأن السودان عامة، يريدون مرحلة انتقالية تستمر لمدة عامين وحكومة انتقالية وترتيبات دستورية، قلنا لهم ليس لدينا مانع وما تتحدثون عنه مكانه هناك في الخرطوم، والحوار ليس حكراً على المؤتمر الوطني بل لكل القوى السياسية. وأنتم إذا لديكم مقترحات حول آليات الحوار سلمونا إياها لنقوم بتوصيلها للحكومة.
والزعم بأننا انسحبنا غير صحيح، فالاجتماع استمر لثلاث ساعات من العاشرة صباحاً إلى الواحدة والنصف ظهراً وكان يضم الوفدين فقط تحدث فيه أعضاء الوفد السبعة، وكنت أدير تلك الجلسة بحكم أن جانب الحركة أدار الجلسة الصباحية، خاطبت رئيس الوفد بأننا سنرفع الاجتماع على أن نجلس مساء، وافق “ياسر” على أن نلتقي عند الثامنة، في تلك الجلسة طلبت منه وضع منهج للحوار يرتكز على ورقة الآلية نستعرض ما ورد فيها، وردََّ كل طرف على مقترحات الوساطة جميعها. سنجد أربعاً أو خمس نقاط اتفقنا حولها وندون ما اتفقنا حوله وما اختلفنا فيه في ورقة نسلمها للوساطة. رد “ياسر عرمان” بأن نتحدث فقط، أجبته أننا سنعيد ما ناقشناه في جلسة الظهر وقلت له إن ورقة ردهم التي سلموها للوساطة فيها تكرار للورقة التي طرحتموها في الجولة السابقة. أجاب نعم نناقش فقط، ثم سألني ماهو مقترحك. أجبته بأن نذهب للآلية، فنحن سلمنا الآلية ردودنا على مقترحاتها، نرى هل كونت الآلية مستخلصاً من ردودنا تلك، فوافق “عرمان” ومضينا للآلية ورفعت الجلسة. وأخطرنا الآلية بكل ما حدث في جلسات اليوم، وطلبت الوساطة الالتقاء بنا عند العاشرة مساءً.
} هل فاجأكم رئيس الآلية بتعليق الجولة؟
-لم نتفاجأ بقرار التعليق فمدرسة جنوب أفريقيا في التوسط تترك الفرقاء يتوصلون إلى حلول بمفردهم بينما تحتفظ لنفسها بمكانة في الوسط. وما حدث أن رئيس الآلية حضر في الموعد عند العاشرة مساءاً وجلسنا جميعنا ، أخبرنا “أمبيكي” أنه لا يمتلك حلاً وأنه تركنا حتى نصل الى اتفاق وأن الوقت الطويل الذي استغرقناه في الجلسات أعطى الوساطة أملاً في قرب التوصل إلى اتفاق، وذكر أنه أبلغ رئيس الوزراء الإثيوبي باعتباره رئيس (الإيقاد) بقرب التوصل إلى اتفاق وأن الجميع كان متفائلاً. “لكننا الآن صدمنا، ولا أمتلك أية حلول”- الحديث لأمبيكي. وواصل “أمبيكي” بأنه ونسبة لارتباطاته في جنوب أفريقيا سيرفع هذه الجولة وسيبلغ مجلس السلم والأمن الأفريقي بأن الآلية ولمدة ثلاثة أعوام لم تستطع التوصل إلى حلول.
} إعلان “أمبيكي” تعليق المفاوضات ورفع الملف إلى مجلس الأمن الأفريقي كأنه جاء عكس توصية الرئيس “البشير” لأمبيكي خلال زياراته الأخيرة للخرطوم بتعجيل التوصل إلى حل ؟
-طلب الرئيس “البشير” لأمبيكي جاء لأنه يريد أن يفعل دور “أمبيكي” كوسيط لكن الرجل لديه منهج يعمل به كوسيط تابع للاتحاد الأفريقي . ومتأثر بخلفية الثقافية في جنوب أفريقيا .
} تبادل الطرفان الاتهامات وتعنت كل طرف خلف مواقف بعينها وبالتالي فشلت المفاوضات، إلى ماذا تعزي مواقف الحركة الشعبية قطاع الشمال في جولة التفاوض الأخيرة ؟
-بالنسبة لنا نحن لم نتفاجأ بموقف وفد قطاع الشمال. لأن لديهم مواقف غير واضحة في عدد من القضايا، والحوار القائم في الداخل فاجأهم، فهم كحركة لم يقرأوا الواقع السياسي وما هو مردود ذلك الحوار عليهم كحركة، فهم يحتاجون إلى وقت لفهم ذلك. كما أن الوضع الأمني في الجنوب جعلهم في حيرة إلى أي الفريقين يعلنون تأييدهم، القناعات الوهمية الراسخة لديهم بأن الحكومة في الخرطوم ستسقط خلال ثلاثة أشهر، لذلك جاء ردهم على مقترح الوساطة بطرح جديد يريدون منه إثارة الخلاف قطعاً .
} في رأيك هل كان لزيارة “أمبيكي” إلى الخرطوم تأثير على مواقف الحركة في المفاوضات؟
-لا ، موقف الحركة قطاع الشمال كان مبيتاً منذ تم تسليمنا مقترح الوساطة، في نهاية الجولة الرابعة أعلن وفد الحركة رفضهم لمقترح الوساطة حتى قبل دراسته. هم يريدون وقتاً لترتيب بيتهم الداخلي ثم بعد ذلك تتضح لهم الرؤية، هم يبنون على أن أي موقف من المعارضة في الداخل ضد الحكومة يضعفها. فمخرجات الحوار الداخلي سؤال يحتاجون إلى إجابة فيه.
} ثمة حديث عن رفض رئيس وفد الحركة “ياسر عرمان” حضور “أمبيكي” لجلسة التفاوض معكم لأنه يتفاوض مع الحكومة وليس مع “أمبيكي” ؟
-أجاب ضاحكاً: في الجلسة الأخيرة التي جمعتنا معاً وعندما قلنا له نرفع الأمر الى الوساطة. قال لنا: “بماذا ستنفعكم الوساطة؟” .
} الآن ملف المنطقتين في طريقه نحو مجلس السلم والأمن الأفريقي ومن ثم مجلس الأمن، ما هي خطتكم لمواجهة هذه التحديات الطارئة ؟
-ما زالت ثقتنا في الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن الأفريقي، إذا كلف رئيس الآلية “ثابو أمبيكي” بمواصلة المفاوضات نحن مستعدون، فلابد من وجود آلية ترعى الحوار .
} متى ستلتئم جلسة مجلس السلم والأمن الأفريقي الخاصة بمناقشة ملف المنطقتين ؟
-يوم (الاثنين) المقبل تلتئم جلسة السلم والأمن الأفريقي، وسيخاطب مساعد الرئيس “إبراهيم غندور” اجتماع السلم والأمن ليؤكد رغبة السودان في الحوار ويؤكد على المرجعيات والاتفاقيات السابقة، وسيذهب “غندور” باعتباره مساعد رئيس الجمهورية والجلسة تخاطبها الحكومة.
} على ماذا تبني الحكومة ثقتها في الاتحاد الأفريقي وقد سبق أن رفع توصية مجلس السلم والأمن الأفريقي وقد أصدر مجلس الأمن القرار (2046) بناءاً على توصية الاتحاد الأفريقي ؟
-القرار (2046) لم يكن سيئاً ونحن وافقنا عليه فهو يحتوي على أن يتم جلوس الطرفين الحكومة وقطاع الشمال للتحاور .
} مقاطعة: الحكومة في البداية أنكرت وجود كيان يدعى الحركة الشعبية قطاع الشمال ؟
-لا، كيف لا يوجد كيان يدعى قطاع الشمال، كان رأينا منذ البداية أن يتم الفصل بينها وبين الحركة الشعبية في الجنوب، وأننا موافقون على التحاور معهم ثم ذكر القرار (2046) أن يتم الحل الإنساني في إطار الاتفاقية الثلاثية وهو ما وافقنا عليه أيضاً، وعلى أساس اتفاق (28/ 6 / 2011) وهو الشيء الذي يرفضه قطاع الشمال وأورده “أمبيكي” في مقترحه الأخير أن مجلس الأمن لم يقرر تطبيق اتفاقية (28-6) بل ذكر أن تستصحب كأساس.
} لكن إطالة أمد التفاوض قد يقود مجلس السلم الأفريقي إلى حث مجلس الأمن على استصدار قرار يفضي إلى عقوبات جديدة ضد السودان؟
-كلما طال الأمد، وسيظل الحديث عن كيفية الحل لأن أي قرارات أخرى ستعقد القضية، إذا تم الحديث عن فرض عقوبات سيعني ذلك مزيداً من التعقيد. هل معنى ذلك أنه سيوصل الى اتفاق بين الحكومة والحركة. نحن نبحث عن صيغة توقف الحرب وتأتي بالسلام ونتمنى ألا يدول الملف ونجنب أهلنا الحروب ونحن جاهزون لأي حوار .
} وماذا عن الوضع الانساني المتفاقم على الأرض ؟
-الوضع الإنساني نحن مستعدون إلى تقديم الاحتياجات الإنسانية سواء كانت مأكلا أو مشربا أو دواء لكن هذه قضية كلية، لكن من غير الممكن إعطاء الغذاء ليأكله الجيش التابع للحركة.
} وأنتم هنا تضحون بالمواطنين؟
-نحن على استعداد لتقديم المساعدات الإنسانية وفق الاتفاقية الثلاثية. وفيها إغاثة تأتي مباشرة وتحتوي أيضا على وقف إطلاق نار جزئي. كل ذلك رفض من قبل الحركة لتصعيب المفاوضات. المناطق التي تقع تحت سيطرتنا وصلتهما الإغاثة، أما المناطق التي تقع تحت سيطرتهم نحن مستعدون لتقديم الإغاثة لهم لكن وفق شروط معينة، وهي أن تضع الحركة السلاح حتى لا يتعرض العاملون في الإغاثة إلى الخطر وحتى لا يغذوا جيوشهم.
} والتصريحات الخاصة؟
-إلى حد ما هم موجودون في الميدان بسلاحهم ونحن موجودون بسلاحنا والحرب لم تنته، إذا لم نصل إلى وقف إطلاق نار لن تقف المعارك، نتيجة المفاوضات محسومة لديهم، ولا تؤثر عليها أي تصريحات هنا أو هناك.
} هل يوجد اتجاه لتغيير الآلية الأفريقية رفيعة المستوى بما في ذلك رئيسها رئيس جنوب أفريقيا السابق “ثابو أمبيكي” ؟
-لا علم لي، هذا ما سيقرره مجلس السلم والأمن والأفريقي، نحن ليست لدينا مشكلة مع “أمبيكي” لكن إذا اقترح مجلس السلم آلية جديدة سنخضعها للتقييم.
} هل ستواصل في قيادة الوفد الحكومي في جولات التفاوض المقبلة إن وجدت؟
-صدر قرار رئاسي بتعييني رئيساً للوفد وتم تكليفي بقيادة الوفد أبلغني بذلك رسمياً نائب رئيس الجمهورية.
} إذن لماذا ظهر “غندور” في أديس أبابا أثناء جولة التفاوض الأخيرة؟
-أبلغني مساعد الرئيس بتكليفي بقيادة الوفد عندما وصلنا إلى أديس أبابا فهمت من “أمبيكي” أن “غندور” وعده بالمجئ، قمت بالاتصال ببروفسور “غندور” وطلبت منه المجئ إلى أديس أبابا من باب الوفاء بالوعد وعند وصول “غندور” وجد “أمبيكي” تلا بيانه بتعليق المفاوضات.
} هناك حديث عن أن حضور “غندور” إلى مقر التفاوض كان بغرض إعطاء دفعة الى المفاوضات، بعد تحفظ “ياسر عرمان” على قيادة الوفد ؟
-“ياسر عرمان” كرئيس لوفد قطاع الشمال قبلنا به برغم عدم انتمائه إلى المنطقتين بالتالي لا علاقة له بمن يرأس وفد الحكومة في المفاوضات، ثم إنه ليس مساعداً لرئيس الجمهورية حتى يطالب بأن يكون رئيس وفد الحكومة هو مساعد رئيس الجمهورية.