الديوان

«أم عزين» .. قصة امرأة نذرت حياتها لجمع الفلكلور وحفظ التراث السوداني

ليست من العاملين في مجال تجارة الفلكلور، وليست بائعة للقطع الأثرية التراثية، ولا تسعى للربح والكسب المادي.. كل ما أرادته هو الحفاظ على التراث وحمايته من الاندثار، وأن ترى الابتسامة وعلامات السرور على وجه كل من يطلع على أعمالها ومقتنياتها التراثية الضاربة في العراقة والأصالة.. هذه هي “أم عزين” المرأة العصامية التي نذرت حياتها لجمع الفلكلور وحفظ التراث.. الوزارات والجامعات السودانية تعرفها، وتستعين بما لديها من أعمال تراثية في إخراج فعالياتها وأنشتطها الثقافية، بل إن أعمالها مثلت السودان في العديد من المناسبات الخارجية.
{ رحلة عمر ومشوار طويل
السيرة الذاتية للسيدة “أم عزين” تقول إنها من منطقة شمال كردفان وتنتمي لقبيلة (دار حامد).. عاشت أيام طفولتها في منزل بسيط ومتواضع لكنه محتشد بجمال التراث السوداني الأصيل، وفيه وجدت (المرحاكة، الدرع، السيف، السوط والنحاس)، ومن خلال حلها وترحالها عرفت الكثير عن التقاليد الحياتية لقبائل السودان المختلفة جنوباً وشمالاً، غرباً وشرقاً.. عاشت وسطهم وعرفت تفاصيلهم وألفت حياتهم.. نهلت من معين عاداتهم وتقاليدهم، فأخذت ما أخذت من جميع الاتجاهات، الثقافة، اللغة والتراث، وحملته زاداً لرحلة عمر ومشوار طويل إلى أن رست قافلتها على شواطئ أم درمان، حيث طاب لها المقام في (الفتيحاب).
{ متحف أثري عتيق
داخل بيتها وزعت كل ما جمعت من تراثيات، وشكلت بها لوحة رائعة لوطن الجمال، وما أن تخطو خطوة داخله بـ(الفتيحاب) حتى ينتابك شعور بأنك داخل باحة متحف أثري عتيق لافت للانتباه، يدعوك إلى جولة عبر كبسولة الزمن إلى الماضي التليد، وبمجرد أن تفرغ من جولتك يتأكد لك أن السيدة “أم عزين” امرأة عاشقة للتراث.
{ بيت الشعر.. المدفئة الطبيعية
ومن داخل (راكوبتها) الفسيحة وعلى (عنقريب هباب)، طافت بنا كل أنحاء السودان، ومن حديثنا معها تعرفنا على الكثير من المصطلحات المحلية لا تتسع المساحة لعرضها..
وكما سبق أن ذكرنا، فقد زينت بيتها بكل أنواع وأشكال التراث السوداني الأصيل، ولفتت انتباهنا قطعة كبيرة من “بيت الشعر” (الكفل) التي كونت منها راكوبتها وعن هذا (الكفل) قالت “أم عزين” إنه يستخدم لتبطين (القطية) من الداخل في فصل الشتاء، وهو عبارة عن مدفئة طبيعية وله أنواع عديدة وأسماء كثيرة منها (شارع صدام) و(الكويت) و(ليبيا) و(الخط السريع)، ويكثر استخدامه عند العرب الرُحّل.
{ (الظبية) والتربية
ومن جانب آخر، وفي أعلى (الراكوبة) تتدلى (الظبية) التي قالت عنها “أم عزين” إنها أربعة أنواع، لكل نوع استخدام خاص يساهم في تعليم الصغار طبيعة الحياة، وهي أصغر مقاس من جلد (أب عاج) “كديس الخلا”، ودورها الأساسي استخدامها من قبل المرأة في قبائل الرُحّل، حيث تضعها المرأة على هودجها في رحلتها وتضع فيها (السوار، العاجة، الشف، النقارة والتميمة) للحفاظ عليها من الضياع.. أما (الظبية) الكبيرة فهي من جلد الغزال وتوضع فيه (الريحة) وصمغ لبنان والصندل، وأي شيء يخص (الحنوط)، ومن خلال هذه المقتنيات يتعلم الصغار أن هناك حياة وممات.
و (الظبية) المتوسطة تستخدم بدل (الجردل) و(البستلة)، وتملأ بالدقيق والعيش وتقدم للمرأة التي وضعت مولوداً حديثاً، ويشترط أن لا ترجع إلى صاحبتها خاوية، إذ يوضع فيها البن والفول وعندما يفتحها الصغار في البيت يعرفون أنك قادمة من (بيت سماية) أو من (بيت عرس).. أما في بيت العزاء فتملأ الظبية بالشطة والملح.. وفي مناسبة الختان يوضع فيها “الفال” (سمسم ودخن وبلح)، وبذلك يظل الأطفال في كل مراحل الحياة يتعلمون من (الظبية) العادات والتقاليد في الأفراح والأتراح.
أما (القدح)، فأشارت إلى أنه يستخدم لحفظ الطعام، والقطط لا يمكن أن تصل إليه، ويستخدم في كردفان ودارفور حيث يشبع من (7-10) أشخاص ويمسك به الصغير إلى أن يشبع آخر شخص من الطعام.
و(سوط العنج) يستخدم في الحفلات ويمنح للأطفال حتى يتربوا على الشجاعة ويطردوا الخوف، وعندما تعجب الفتاة بمن يحمل السوط تضع له (دبلة) أو خاتماً، وهو نوع من الفراسة.
و(السيف) سلاح لابد أن يكون في صحبة العريس، الذي بعد إكمال سبعة أيام يزف عبر موكب كبير إلى أن يصل شجرة الهشاب، ويتحتم عليه قطع أي جزء من فروع الشجرة، وإذا لم يستطع يرجع العيب إلى النسيبة التي يهاجمها (أهل الحلة) بأنها لا (تطعم نسبيها الدجاج واللحمة)، ويعدّ ذلك فألاً سيئاً لها ولبناتها.
{ جمعية الرضا
“أم عزين بخيت”، بجانب اهتمامها بالتراث لديها العديد من المشاريع الاجتماعية، تساند من خلالها الفقراء والمساكين وكل أصحاب الحاجة. وتجمع النساء في منزلها وتقيم لهن دورات تدريبية في تركيب الخرز وغيره من الأعمال اليدوية، كما ظلت تتعاون مع مراكز كبرى لتسويق منتجاتها والعائد المادي تشترى به ثلاجات وماكينات الشعيرية والآيسكريم للنساء اللائي يعملن معها مقابل تقسيط شهري، وعندما توسعت مشاريعها لجأت إلى تسجيل (جمعية الرضا)، فأصبحت (جمعية الرضا للائتمان والادخار) تعمل في نشر ثقافة حفظ وإحياء التراث بولاية الخرطوم، وتنفيذ مشاريع الصغيرة مثل (عواسة الآبري) وصناعة العطور البلدية، وتجفيف البصل مقابل مبالغ رمزية.. ومن مبادراتها تنظيم الختان الجماعي الذي رعته ولاية الخرطوم.. وأخيرا نجحت (جمعية الرضا) في استقطاب المنظمات الداعمة للأيتام والأرامل.
{ شكر خاص للبحر الأحمر
في ختام حديثها تقدمت “أم عزين” بالشكر الجزيل لوالي ولاية البحر الأحمر “أيلا” وقالت إنه من القلائل الذين يقدرون التراث ويعرفون قيمته، وذكرت بأنها ذهبت إلى بورتسودان وشاركت بمعرضها في مهرجان السياحة والتسوق، فوجدت اهتماماً كبيراً واحتراماً فائقاً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية