ما بعد الانهيار
{ ليس مهماً الوصول لتوصيف دقيق وتعريف لما وصلت إليه مفاوضات أديس أبابا.. هل هو انهيار أم تعليق؟ مع الإقرار باختلاف ومدلولات كلتا الحالتين، ولكن الثابت والمؤكد أن فرص تحقيق سلام في السودان في المدى القريب المنظور باتت بعيدة جداً.. وأن ساحة الحرب ستشهد على الأقل في ما تبقى من النصف الأول من العام الجاري تصعيداً عسكرياً في ميدان الحرب بكل من جنوب كردفان وبدرجة أقل في النيل الأزرق لاختلاف طبيعة المنطقتين وسيطرة الدولة على الأخيرة وفرضها لهيبتها على الأرض.
وأياً كان فإن الحروب (الرخيصة) قد ولى زمانها.. وأصبحت الحرب ذات كلفة اقتصادية وبشرية عالية.. للطرفين معاً وتقع على عاتق الدولة مسؤولية أكبر.
{ المفاوضات وصلت لطريق مسدود وقد كاد الرجل الذي يقودها «ثامبو أمبيكي» يذرف دموع الحسرة والفشل وهو يتحدث للسودانيين في الوفدين بنبرة المشفق على وطن ليس وطنه أكثر من قادته ورموزه في الحكم والمعارضة، ويتحسر على ثلاث سنوات أهدرها في التسفار والترحال بين الدول والعواصم واللقاءات ولم تثمر جهوده إلا فشلاً يعقبه فشل وخيبة بعد خيبة وإهدار وقت ومال دفعته الدول الأفريقية من خلال اتحادها ولم تبدُ الدول العربية التي بسببها خسر السودان القديم ربع شعبه وثلث أرضه ولم يجد من يمسح دمعه إلا بعض الاستثناءات.. وقد تواصل غياب العرب عن مفاوضات السلام في أديس أبابا بينما هرع الأفارقة والإفرنج كلٍ يتأبط أجندته.. والاستثناء الوحيد كان في السفارة المصرية التي بعثت بأحد ضباط مخابراتها لتقصي الأخبار والمواقف.
{ المفاوضات المنهارة إلى الفشل لن تنهض مرة أخرى إلا بعد اجتماعات مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي ربما انعقد الشهر القادم للإصغاء لتقرير الوسيط «أمبيكي» ومن ثم يتخذ موقفه إما بتصعيد القضية لمجلس الأمن الدولي ليصدر بشأنها قراراً مثل قراراته المتتالية أو يصرف النظر عن السودانيين يتركهم وشأنهم يموتون بالطرق التي اختاروها!
{ بعد إعلان «ثامبو أمبيكي» إنهاء مهمة الوساطة وترك للسودانيين حق عودة الوفد الحكومي لبلاده والمتمردين لجبالهم وكهوفهم.. بدا السودان كاليتيم الذي يفتقر اللجنة العبقرية لإنقاذ وطن من سوءات بنيه .. فهل سدت الدروب وانعدمت الحيلة في مبادرة سودانية لإنقاذ الموقف؟؟ ولماذا هذا الاستسلام التام للأجنبي ليقرر حتى مصير أن نلتقي ونقود حواراً كأبناء وطن واحد.. وتتمدد الحسرة والأسى من شعاب زهرة أفريقيا (أديس) إلى مقرن النيلين حينما يطالب «ياسر عرمان» جهراً وعلناً أن يصبح حتى الحوار بين القوى الوطنية من أحزابنا تحت الوصاية الإقليمية والدولية.. ويشاطره ابن المهدي (مبارك الفاضل) في حملته لتدويل الحوار الوطني ويضع «مبارك» كلتا يديه سنداً للحركة الشعبية من أجل أن يصبح «أمبيكي» و»هايلي منغريوس» ومبعوث عن الرئيس الإثيوبي أوصياء على الحوار بين القوى السياسية الوطنية.. أي فشل وخيبة أكثر مما بلغناه الآن!!
{ إن الحكومة هي الخاسر الأكبر الوحيد من فشل التسوية وعليها أن تقبل على خوض معركتها بصبر وتحشد إرادة شعبها بعد أن أصبحت الحرب هي الخيار الوحيد الممكن أمامها. فإن هي عجزت عن دفعه فاتورة السلام فعليها رفع فاتورة الحرب وخوض معركة طويلة قد تمتد لسنوات.. مع أن قناعتنا بأن الحرب آثارها على البنية الاجتماعية أكثر وبالاً وهي أكبر مهدد لوحدة البلاد.. ولكنها أصبحت الآن خياراً لا مفر منه ولا نكوص ولا تولي.. وليت تقدم صفنا من كان يرفض الحوار من حيث المبدأ.. أما ما يثار عن حوار مع القوى السياسية فإن السؤال الذي لا نجد له إجابة ما قيمة حوار لا يفضي لوضع حاملي البندقية لأسلحتهم وانخراطهم في العملية السياسية.