مشاريعنا والمواصفات الفنية
} عندما عملت كمترجم فني بإحدى الشركات السعودية، كان من ضمن عملي ترجمة مواصفات المشاريع الإنشائية، وقد ترجمت مئات التقارير الفنية ومحاضر الاجتماعات، مما أعطاني خبرات طيبة في المجال الهندسي. وأصبحت مُلِماً بالإجراءات المتبعة عند تنفيذ المشاريع الإنشائية، وعلمت أن المشروع الحكومي لا بد أن يكون له مستشار يشرف على المبنى منذ لحظة وضع المواصفات، ويجيز العمل في أية مرحلة بعد أن يتأكد من مطابقته للمواصفات.
} والمواصفات لا بد أن تكون أحدث ما توصل إليه العلم والعالم. وبعد كل هذا لا بد لهذا الاستشاري أن يأتي بمهندسين لمراقبة عمليات البناء والتوقف على حجم (الصبة) وطولها وعرضها وكل شيء حولها قبل السماح بصبها. ويستمر عمل الاستشاري بعد ذلك في متابعة البناء خلال يومين من عمل (الصبة) ليكتب عن أية تطورات سلبية وإيقاف العمل فوراً إذا ظهرت عيوب في المبنى.
} وهكذا كانت كل المراحل تتم دون أي إلغاء لأية مرحلة مهما كانت الأعذار، فلو سقط أي جزء من المبنى فكل اللوم سيوجه للاستشاري أولاً لأنه أجاز ذلك قبل التنفيذ، وهكذا يكون عمل الاستشاري صعباً. وحتى لا يحدث أي خطأ يجتمع مهندسو المقاول مع مهندسي الاستشاري مع مهندسي الجهة صاحبة المشروع اجتماعات يومية لمناقشة الخرائط وخطة العمل وحتى خلطة الخرسانة، ولا بد من حضور مهندسي الاستشاري مع مهندسي المقاول لتنفيذ أية مرحلة وإجازتها قبل تنفيذها.
} ما كنت سأعرف كل ذلك لو لم يكن عملي في مجال الترجمة، وكان ضمن عملي الخطابات المتبادلة بين كل الأطراف ومعرفة آرائها في بعضها. وحتى نقاط الاختلاف والاتفاق لا بد من معرفتها كلها. هذا كان عملي لمدة ثماني سنوات في “السعودية”، ولهذا حصلت على خبرات ضخمة جعلتني أعرف أسرار العمل الهندسي وتخصصاته ومراحله المختلفة، وكادت خبرتي تعادل خبرة أي مهندس.
} إذا كان المشروع بناء مستشفى، فإن عمل الاستشاري يشمل مراجعة الأجهزة الطبية والتأكد من أنها مطابقة لأحدث المواصفات العالمية وليس فقط التأكد أنها تعمل بصورة جيدة. وكذلك يجب التأكد أن المبنى يلائم المنطقة الزلزالية للمنطقة وهي المنطقة التي تتعرض للزلازل، إذ كل منطقة في العالم تتعرض للزلازل بأحجام قوة مختلفة. ولا بد أن يلائم المبنى نوع المنطقة الزلزالية. ولاحظت أن المهندسين الأمريكان يشددون في ذلك كثيراً، ولا يجيزون أية مرحلة قبل التأكد من ملاءمتها لنوع المنطقة الزلزالية، ولهذا تأتي المشاريع في “السعودية” وفق أحدث المواصفات في العالم، حتى الشوارع الإسفلتية تتم على أحدث المواصفات، أي إذا قالت المواصفات إن سمك الشارع (30) سم فلا مفر من ذلك ولا يمكن الحصول على تنازل هنا.
} ولهذا أنا يدهشني الآن أي حديث من عدم مطابقة المبنى للمواصفات، والاضطرار إلى هدمه لأنه مخالف للمواصفات. وأحياناً نسمع عن مشروع زراعي فشل في أول موسم، أو أن الترع لم تستطع حمل الماء إلى الزراعة، أو أن وابور الماء لم يستطع إيصال الماء إلى الزراعة، إلى آخر هذا الكلام الذي لا نسمعه إلا في مشاريعنا.
} كيف يكتشف الناس أن هذا خطأً في المواصفات بعد أن يكاد العمل ينتهي، ألم يمر هذا العمل بكل المراحل التي تحدثنا عنها؟
ألم يشرف الاستشاري على المواصفات بنفسه؟ ألم يقف مهندسوه على المواصفات أولاً بأول؟ ألم يجروا الاختبارات اللازمة قبل التنفيذ؟
} سؤال غير خبيث
هل نطبق أحدث المواصفات في العالم في مشاريعنا؟