حكام المنفى.. (شيزوفرينيا) فقدان السلطة!!
الشعور الذي يسري في دواخل الحكام الذين تذهب عنهم السلطة يكون مليئاً بالحرقة واللوعة يترك وراءه زخماَ مهولاً من الصدمة العميقة والحسرة المؤلمة.
لا يصدق هؤلاء الرؤساء والملوك الذين حكموا بلادهم بالحديد والنار بأن سلطانهم قد زال، وأن صولجانهم قد اختفى بريقه.. وكم هو صعب ومؤلم على نفوسهم الجلوس على أطلال المنفى واستذكار أيام البريق والسلطان التي صارت قصة من الماضي!!
السلطة مغرية لها طعم متفرد ومذاق حلو، وطبيعة البشر على مر الدهور تشتهي الحكم والصولجان، فالسلطة توفر للحكام والزعماء والملوك المجد والنبل والشهرة والأثر المحفور في الذاكرة الحياتية والتاريخية، ومن هذا المنطلق فإن ذهاب الحكم والسلطان عن هؤلاء يكون بمثابة إعصار ثقيل على النفس وخطوة كالحة السواد تقلب حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
في التاريخ المعاصر ذهب إلى المنفى “عيدي أمين” رئيس (يوغندا) الأسبق و”شاه إيران وإمبراطور أفريقيا الوسطى “بوكاسا” و”ماركوس” الفلبين و”بيتي دوك” رئيس (هايتي) وغيرهم من الحكام والزعماء، الذين نزلوا من مركب الصولجان على جحافل الرفض من شعوبهم.
دائماً تكون حياة المنفى أمام هؤلاء الحكام زلزالاً لا يوصف وفراقاً أليماً على السنوات الرغدة التي ضاعت في لحظة خاطفة، وغالباً ما تقتصر تحركاتهم على الاهتمامات الشخصية ولا يظهرون في الضوضاء والمحافل العامة، ويعيشون على الأوهام والندم والامتعاض، ويتهربون من ذكريات الشريط القديم على أرائك الكراسي والصولجان.
ها هو “عيدي أمين” يحب الحياة الهادئة في مدينة “جدة” ويتذكر أيام الملاكمة حينما كان شاباً، لكن شعبه في (يوغندا) لا يتذكره وعلى ذات النسق كان “ماركوس” الفلبين قبل أن يموت في جزر (غوام) يتحسر على علاقته مع الرئيس الأمريكي الأسبق “ريغان” ويلعن النصائح الأمريكية التي لم تكن صادقة معه، أما الرئيس الأثيوبي الأسبق “منقستو” الذي نزل ضيفاً على الديكتاتور “موغابي” فقد كان يصوب الانتقادات اللاذعة من منفاه على الرئيس “ميخائيل غروباتشوف” بحجة عدم مساعدته في البقاء على دفة الحكم، وفي الصورة الدرامية كان “شاه” إيران قبل رحيله في “القاهرة” يحوم على محطات كثيرة دون أن يجد التقدير اللازم، حيث كان الرجل يتأمل على أرائك الندامة سلطانه الذي ضاع بين يديه دون أن يجد العون من الصديق الأمريكي الإستراتيجي!!
أخلاط من الصور والملامح المتشابكة تحكي برامج الحكام المنفيين، فقد غلف أجواءهم الشعور بالمهانة والتفريط في مسلمات البقاء على مقاعد الحكم والهروب في التعامل مع الواقع، فقد كانت المرارات في الحلق والإرهاصات على الصدور.
في الصورة المقطعية كانت تسود حياتهم أرتال من الهواجس والكوابيس والوسواسية وتفشي حالات (الشيزوفرينيا)، وإشارات العصبية!!
وربما تكون الأوضاع مخالفة في حالة الرئيس “حسني مبارك” الذي يعيش في المنفى الداخلي بعد رفضه الخروج من “مصر” والحكم ببراءته، حيث تتضح مؤثرات فقدان السلطة عليه في مرآة الطب النفسي التي تقول إن الرجل لا يتصور بأنه ذهب عن طريق انتفاضة شعبية وأنه لم يخطئ أبداً في حقوق الشعب المصري، فضلاً عن ذلك أنه يعاني من غطرسة ناتجة عن بقائه مدة طويلة في الحكم.
مهما يكن لا توجد سرمدية في الكون وناموس الحياة قائم على التغيير والزوال ودائماً تكون العبرة بالأثر الجميل الذي يصبح منقوشاً على دفتر التاريخ، هكذا تنتهي مقاعد الحكام وتندثر الإمبراطوريات على إيقاعات الحياة الساحرة!