تمارين ساخنة للأحزاب
} أعلنت جبهة الدستور الإسلامي رفضها القاطع لفصل الدين عن الدولة، وشنت هجوماً على الحركة الاتحادية لمناداتها بفصل الدين عن الدولة واصفة مطالبتها بالعبثية.
} أولاً: إنه أمر حميد أن أصبحت كل الاتهامات تلقى على الطاولة دون تحفظ. هذا نعتبره تمريناً ساخناً قبل الدخول في جو المباراة. وبعد أن كانوا يتحاورون بالرشاشات والقنابل ها هم يتحاورون بالكلمات. أعاد ذلك شريط ذكريات كان خلالها أي حزب يتهم الآخر اتهامات قاسية دون أن يترك ذلك رغبة في الانتقام ودون أن يتحسس كل واحد مساره.
} من بعض الذكريات التي استعدتها ونحن في المرحلة المتوسطة، هجوم الشيخ “علي عبد الرحمن” على حزب الأمة، ورد حزب الأمة في صحيفة الحزب. وهناك اتهامات أخرى تقال في الليالي السياسية يتم الرد عليها أيضاً في ليالٍ سياسية. ورغم قسوة الاتهامات أحياناً التي تصل درجة الاتهام بالعمالة لتلك الدولة أو لجهاز المخابرات وقبض أموال منهم، إلا أننا لم نسمع عن استخدام السلام أو القنابل لإسكات الصوت الآخر. هكذا كانت تمضي الحياة السياسية في السودان.
} أشفق البعض لأن هذه هي البداية فكيف تكون النهاية؟ وأقول بل إنني أنتظر ما هو أقسى وأعنف من ذلك. وكله سيمضي بسلام ما دمنا قد اخترنا المسار التعددي. في عصر الحريات لن يستطيع ذلك الفصيل المسلح الادعاء بأن هناك إهمالاً لمنطقته وأنه محق لو لجأ للسلاح، إذ بإمكانه المطالبة بأي شيء حتى الانفصال كما مقاطعة “اكويبيك” في كندا و”كاتلوين” في أسبانيا، إذ استمرتا لعشرات السنين تطالبان بفصل إقليمهما عن الوطن الأم، ولم يقل لهما أحد هذا لا يجوز لأن الحياة في ظل التعددية تعني أن كل شيء أصبح معروضاً في ضوء الشمس.
والطرف الآخر ليس بحاجة إلى اتفاقنا لأنه يستطيع ولا أحد يمنعه.
المشكلة في الذين لم يعتادوا على مثل هذا المناخ من الحريات، وتعودوا أن يحسموا أي نقاش بالسلاح. وأعتقد أن جزءاً من عملية ترويضهم تتم لو سمح للأحزاب بإصدار الصحف وسمح فيها بتبادل كل الآراء مهما كانت.
مثلاً الآن اتهمت جبهة الدستوريين الحركة الاتحادية بأنها تخدم مخططات العلمانيين والجبهة الثورية. كنت أود أن يكون هذا الاتهام قد ذكر في تصريح من أحد قيادات الدستوريين ليرد عليه الاتحاديون فوراً لإثبات أنهم ليسوا عملاء لأحد، لأنهم عندما طالبوا بالاتحاد مع مصر كان ذلك لتقوية موقفهم أمام الانجليز، وعندما رأوا أن مصر هي المستفيد الوحيد من هذا الاتحاد أعلنوا أنهم لن يطالبوا بالاتحاد، وبدلاً منه رفعوا شعار الاستقلال التام، إذن هي ليست المرة الأولى التي يوجه فيها هذا الاتهام للاتحاديين ولن يكون الأخير.
لم أعرف سر هذا التباطؤ في منح التصديقات للصحف الحزبية والمستقلة. أما كانت الصحف ستنشر أي اتهام، ويكون من حق المتهم الدفاع عن نفسه بل رفع قضية إذا رأى الاتهام فيه إساءة شخصية له؟
الصحف الحزبية لن يكون همها نشر الاتهامات ضد الكيانات الحزبية الأخرى، بل نشر خطط وبرنامج الحزب الذي سينزل بها الانتخابات، وسيكون من حق الصحف الحزبية الأخرى إثبات معقولية الأحلام أم جنوحها للخيال. وسيكون كل ذلك من خلال الأرقام، ولأن كل شيء معروض في الهواء سيكون من حق الطرف الآخر التعقيب، وإذا تكرر هذا الأمر عدة مرات فسنكون قد عبرنا البدايات الصعبة. المطلوب الآن من الأحزاب سرعة إصدار صحفها التي تحمل برامجها وشعاراتها.
> سؤال غير خبيث
هل ستكون لأحد الأحزاب أو الحركات المسلحة حجة بعد تطبيق الديمقراطية التعددية؟