الوجه الآخر للقمر..!
اتفق تماماً مع الأستاذ الصحفي “شوقي حافظ” الذي زاملني سنوات طويلة بجريدة (الوطن العمانية)، حين كتب ذات مرة في عموده المقروء (أقول لكم) أنه يقترح على “فيروز” سحب شكواها ضد قمر المجموعة الشمسية، وتقديم شكوى جديدة ضد جميع (الأقمار الاصطناعية)!!
ويبرر “شوقي حافظ” دعوته هذه بأن المطربة “فيروز” ظلت تشكو من القمر الطبيعي لأنه يسطع كل ليلة ليفضح العشاق الذين يلوذون بظلمة الليل، وأنه يسافر كثيراً كل ليلة، ومن حقه الآن أن يرتاح ويجد له بيت يتقاعد فيه.. وإلى أن يتم ذلك عليه أن يمنح نفسه إجازة ليلة أو ليلتين، وأن يظل (هلالاً) صغيراً لا يكبر، وأن يكتفي بمراقبة العشاق من خلف أوراق الشجر وليس بأشعته الفضية الفاضحة!
إن مشكلة “فيروز”-كما يقول- أنها تعاملت مع قمر المجموعة الشمسية فقط، وتناست (الأقمار الاصطناعية) التي تهتك الآن كل سر وتفضح ما كان مستوراً ولا شيء يخفى عليها، فالجيل الأول من الأقمار استطاع في أوائل الستينيات أن يلتقط صوراً واضحة لملعب تنس.. وتمكن الجيل الثاني من التقاط صور شديدة الدقة والوضوح للعلامة التجارية المطبوعة على كرة التنس نفسها!!
موضوع (الأقمار الاصطناعية)، وبعيداً عن قمر “فيروز” الغنائي، يعدّ من المخترعات والمكتشفات الأكثر أهمية وخطورة من حيث النتائج المترتبة عليها، التي غيرت وجه الأرض من خلال تعليق (عيون كبيرة) في السماء مهمتها ليس كما يظن البسطاء تقديم خدمات (الاتصالات) و(الفضائيات) فحسب، وإنما (التجسس) أيضاً، حيث تستطيع هذه العيون المعلقة أن تراقب بدقة مدهشة مخلوقات الله أينما كانت وحيثما وجدت، وتستطيع أيضاً اختراق السواتر والعوازل والجدران والأسقف بالصوت والصورة معاً، ولا يسلم من ذلك حتى (النمل) في جحوره!!
وأمر (الأقمار الاصطناعية) لم يعد سراً خطيراً من أسرار وكالات المخابرات العالمية، وإنما هو مسألة معلنة ومفضوحة، وفي حرب أمريكا الأخيرة على العراق ظلت شاشات التلفزة تنقل لنا عمل هذه (الأقمار) في رصد أدق تفاصيل الحرب وتحديد الأهداف العسكرية بدقة متناهية، وكيفية قصفها بالصواريخ (الذكية) التي اتضح لاحقاً أنها (غبية) وتم التبرير لأخطائها بزعم أنها مجرد (نيران صديقة)، وهذا لا يقلل من الكفاءة التجسسية للأقمار الاصطناعية، فهي تعكس الأشياء كما هي تماماً، ولكنه يفضح الهلع والتسرع واللا مبالاة التي كان ينتهجها الجيش العراقي والتعامل معه وكأنه قطيع من الخراف!!
لقد أصبح البشر الآن مفضوحين تماماً أمام هذه (الأقمار) التي تعرف ما يرتدونه وما يأكلونه، وتراقب بتلصص وفضول كل ما يفعلونه، وربما حتى الطريقة التي يفكرون بها، وطالما أنها استطاعت اختراق حتى (غرف النوم) فلا أحد يمكن أن يتحدث بثقة واعتزاز- في زماننا هذا- عن (خصوصية) يتم انتهاكها في وضح النهار من قبل (السادة الكبار) الذين يشغلون العالم بنعمة اكتشاف الأقمار الاصطناعية و(الفُرجة) المجانية على (الفضائيات) والتحدث عبر أحدث جيل للهواتف النقالة، بينما هم يستمتعون بالوجه الآخر السيئ للقمر من خلال مراقبة الشعوب من أبراج عالية، والضحك على تخلفها وفقرها وبؤسها الذي جرته عليها (عولمة) التجسس وانتهاك الخصوصيات والحريات!!
حقاً كم هو بريء وجميل قمر “فيروز”.. وكم هو قبيح وقميء الوجه الآخر لأقمار التجسس والتلصص، التي ما تركت “فيروز” تغني ولا تركت من يستمعون لـ”فيروز” ينعمون بدفء الحب بعيداً عن تلك العيون المعلقة في السماء!!