«الفاتح تاج السر» .. النجاح فوق منضدة الصمت!!
الرجل الصامت دائماً صاحب مزايا وخصائص عميقة وذكية، فهو يصل إلى أهدافه ومراميه من وحي انضباطه وهدوئه، ويخترق الصعاب بالعزائم السحرية في دواخله، فالعلاقة الثابتة بين الإبداع والصمت تشكل نموذجاً لا مثيل له من الشواهد الدالة والحقائق المحسوسة، فالضجيج والزعيق وحب الظهور غالباً ما يؤدي إلى الإخفاق وخيبة الأمل. وبذات القدر فإن الشخصية الصامتة التي لا تعرف الثرثرة تحمل طاقة ذهنية وعضلية على طريق الإبحار إلى تحقيق الأهداف المنشودة.
التاريخ يشهد بأن رائد الفضاء الأمريكي “نيل امسترونغ” كان قليل الكلام لا يتحدث كثيراً، يبتعد عن المظاهر والأضواء، فهو أول إنسان نزل على سطح القمر من مركبة (أبولو) عام 1969م حتى حاز على لقب (الصامت الذي وطئ القمر)، وعلى ذات السياق كان عالم الرياضيات اليوناني الذائع الصيت “أرخميدس” نادراً ما يثير الأحاديث والتعليقات.
في المسرح السوداني، نجد الأستاذ “الفاتح تاج السر” وزير الحج والأوقاف يمثل الرجل السياسي، الذي يصنع النجاح فوق منضدة الصمت، من منطلق الابتعاد عن الفرقعات الكلامية والضجيج والصورة السينمائية، والارتكاز على منهج الشخصية العملية والوقورة الرافضة للابتذال والإطلالة البوهمية!!
وإذا حاولنا إضاءة المصابيح عن إنجازات الوزير “الفاتح تاج السر” في وزارتي الشباب والرياضة والحج والأوقاف من خلال منهجه القائم على العمل من وراء الكواليس دون ملامسة الإيقاعات الضوئية، فإن الرجل حقق العديد من الاختراقات في ملف الرياضة رغم قصر المدة وقلة الإمكانيات، فقد قام بتقنين مبدأ ديمقراطية وأهلية الحركة الرياضية ودعم الفريق القومي لكرة القدم، وساعد على إحراز الانتصارات لفريق ألعاب القوى في المحافل الدولية.. وفي وزارة الحج كانت له مساهمات ساطعة على رؤوس الأشهاد، لاحت من خلال الاستقرار والتنظيم البائن في موسم الحج لعام 1434هـ على مستوى الخدمات والمعاملات والتفويج في إطار التقديم المبكر بالسودان والترحيل الداخلي بالسعودية، حيث نجحت البرامج والخطط لدرجة وصلت إلى (95%) بعد تفويج أكثر من (26) ألف حاج سوداني، فضلاً عن ذلك فقد كانت هناك خطوات ملموسة لمعالجة إشكاليات مباني الأوقاف على مستوى الاستثمار والإيجارات.. ومن الأشياء اللافتة رفض الوزير “الفاتح تاج السر” حوكمة المذهب الشيعي على بلاط الوزارة، مراعاة للبعد السنّي الذي يمثل الغالبية الساحقة في الوجدان العقائدي للسودانيين تحسباً من ويلات الفتنة الدينية في المستقبل البعيد.
لا يفوت علينا القول إن استقالة الوزير “الفاتح” من وزارة الحج في الأيام الفائتة، التي قوبلت بالرفض من رئيس الجمهورية ومولانا “محمد عثمان الميرغني” كانت متوقعة من جانب الذين يعرفون طبائع شخصية “الفاتح تاج السر” القائمة على الانضباط والشفافية والبعد عن المجاملات، فقد صدم بتدخلات بعض الخارجين على الجهاز السياسي بالحزب في منهجه ومحاولة ممارسة الوصاية على خطواته، فلم يستطع مجاراة تلك الأوضاع المأساوية، سيما وأن الرجل في الأساس ظل زاهداً في المنصب الوزاري منذ الوهلة الأولى.
القصة الملحمية لاستقالة “الفاتح تاج السر” من الألف إلى الياء حتى عودته للعمل، فتحت الباب على مصراعيه حول الجهة التي تحرك منظومة الاتحادي الأصل!! ومن هو القيم على الحزب الجريح؟! فالشاهد أن استقالة “الفاتح تاج السر” كانت من آثارها الأسئلة الكثيفة والشعور بالإحباط في مجالس الاتحاديين، بل كانت من علاماتها السؤال المباغت من الأستاذ “حاتم السر” القيادي بالحزب عندما ذكر.. كيف يستقيل أنجح دستوريي الاتحادي الأصل في الحكومة؟ وهو يقصد الوزير “الفاتح تاج السر” الذي تتأطر أعماله على منهج الصمت!!