الديوان

الموسيقى التصويرية.. حضور في المفردات السودانية

هناك العديد من المفردات التي يلجأ إليها السودانيون في العادة لإضافة المعنى الكامل للحوار أو المشهد، وقد ابتكرت حيل إبداعية جميلة تمكن من وصول المعنى المراد، هذه المفردات قد تكون حروفاً منطوقة لكن غير مكتوبة أو حروفاً مكررة تحاكي المعنى وذلك عن طريق الكثير من الحركات كإخراج اللسان أو زم الشفاه أو صك الأسنان حتى تكاد تكون الصورة مرئية وذلك للتعبير عن الحالة سواء أكانت ألماً أم فرحاً، وقد استفاد الذهن العام في توصيل المعنى المراد بكل ذكاء، إلا أن لهذه الكلمات طريقة خاصة في النطق والحكي لتوصيل المعنى الكامل حتى تكاد تصبح صورة مرئية للتعبير عن أبعاد الموقف وجذب انتباه المستمعين، فعلى سبيل المثال (ترااح أداهو كف)، (شخخ ضبح الخروف، (وردلوب.. وقع) ووقع عند الأطفال (بب)، وأيضاً هناك فرقعة صغيرة تصدر من جانب الفم عن طريق الأسنان وتعني (نعم)، وقد يستخدم المتحدث أحياناً يداه ليضفي بعداً للحركة حتى يكون مستوى الاستيعاب أكبر وقعاً (جلب طلع الشجرة)، (دب دب يتدبا) أي يمشي بخفة ودون صوت، (ورور ليه) حذره بأصابعه، (جب جبطك) ضربه بالسوط، وبحركة الأصابع (فننن جاري) أو (فن) رماه بالحجر، وبالشفاه (كربك كربك كربجك) جرى مثل الحصان، وباللهاة مع رفع اللسان لأعلى (كع) كسر العود، وزم الشفاه (طب قبضو) (كفف) خطفها بسرعة، و(كفت، كفتك جا راكب الحمار) (جبق، جمبلغ وقع في الموية)، (كو) ضربه في رأسه (جبطك) ضربه بالسوط (جلب نطة) أي قفز من فوق الحائط، وعند تمثيل الصراخ نقول (وااا عاااك) ولوصف صوت المطر نقول (شوو المطرة صبت) و(تش) تقال عند الحرق بالنار (كف خطفها) أخذها بسرعة، (طبجك طبجك) سار في الماء.
وقد عرفها بروفيسور “سيد حامد حريز” في كتابه القيِّم (الحكاية الشعبية عند الجعليين)، متحدثاً عن راوي الحكاية سواء كان حبوبة أو شيخاً عجوزاً وخلافه باستخدامهما لهذه الطريقة الجاذبة وهي طريقة العرض الدرامي للحكاية الشعبية، فالقاص يتلاعب بدرجات صوته منغماً إياها ويستخدم المحاكاة والإلقاء في العرض الدرامي لمختلف المشاهد وهي الحركة الصوتية (Ideophone) مثل (بب) (كش) لتمثيل وقوع أو تحطم و(جب جب) الصوت عند الشراب وترتبط مناقشة الشكل والأسلوب في الحكاية الشعبية السودانية في ثقافتنا ارتباطاً وثيقاً بدراسة لغة التخاطب وبجماليات وقواعد التعبير الفني.
إضافة إلى ذلك التقت (المجهر) بـ”عبد الرحمن حسن عبد المجيد” الباحث في التراث الشعبي، فتحدث قائلاً: هذه الكلمات تعتبر مصطلحات ذات خصوصية تتفاوت دائرة الخصوصية ضيقاً واتساعاً حسب المصطلح واستخداماته تبدأ من التواصل في المهد بين الأم والطفل الرضيع، وهي تخاطب فيه حاستي السمع والنظر في هذه المرحلة التي يكون الطفل عبارة عن متلقٍ لتعريفه بالبيئة المحيطة.. مثلاً عند الأكل (نجم نجم) أو (نجاجا) والقطة (مياوو) وتتم تسمية القطة بصوتها حتى تقرب الصورة لديه وذلك على حسب قدرته في النطق. وفي نفس الوقت الطفل هو منتج لهذه المصطلحات للتواصل مع محيطه المجاور والتي لا يفهمها آنذاك إلا من أمه وإخوانه، أما الاستخدام بين الكبار العاقلين، فهي تمارس بين مستهلك ومتلقٍ، وهناك أيضاً (متلقي فقط) وهو الذي يتعامل معها باعتبارها لا تتناسب مع تكوينه أو وضعه الإجتماعي.
وتكثر هذه المصطلحات في القرى والأحياء الشعبية، لأن هناك مساحة كبيرة للحكي والحوار والونسة وتحويل الحكي لأشكال أقرب للدراما تقوم مقام المؤثرات الصوتية.
وتتجلى أيضاً في التواصل بين الإنسان والحيوان مثل مناداة القط (ستست) وهي ما تسمى بـ(السنتتة).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية